إلى من غلبتهم الديون، وتشتت بهم الهموم، وسأت بهم الظنون، تذكروا أن لله في خلقه شؤون، فهذا أبو محمد المهلبي خرج من بلده في ضيق وفقر شديد، وكان سبب خروجه دين أثقل كاهله، فبينما هو أثناء الطريق اشتهى لحماً، فلم يقدر على شراءه فقال مترجلاً:
ألا موت يباع فأشتريه
فهذا العيش مالي خير فيه
ألا موت لذيذ الطعم يأتي
يخلصني من العيش الكريه
إذا رأيت قبراً من بعيد
وددت لو أنني فيما يليه
ألا رحم المهيمن نفس حر
تصدق بالوفاء على أخيه
وكان له صديق اسمه عبدالله الصوفي، فلما سمع هذه الأبيات ذهب السوق واشترى له لحماً بدرهم وطبخه وأطعمه، ثم تفارقا، وتنقلت الأحوال وذهب المهلبي إلى بغداد، وكان له معرفة برئيس الدولة، فلما دخل عليه وشكى له ما لقاه وسبب خروجه من بلده أكرمه وولاه الوزارة عنده، فصار المهلبي وزير الدولة في بغداد، وضاق بصاحبه عبدالله الصوفي العيش، فلما سمع بوزارة المهلبي ذهب إليه إلى بغداد وكتب ورقة وأرسلها مع الحاجب قال فيها:
ألا قل للوزير فدته نفسي
مقال مذكرٍ ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضيق عيش
ألا موت يباع فأشتريه
فلا إله إلا الله مغير الأحوال، فيا من أثقلك الدين فكدرك وأرقك فأسهرك وأهانك، فقهرك كلمات من مشكاة النبوة تفك بإذن الله قيدك فالدين هم بالليل وذل بالنهار، لكن العلاج بإذن الله موجود، فمن العلاج أولاً: تقوى الله في كل شيء، قال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا"، قال العلماء: المخرج من كل شيء هو تقوى الله عزَّ وجل.
ثانياً: العزم على قضاء الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن أخذه يريد قضاءه قضى الله عنه، ومن أخذه يريد قضاها قضى الله عنه".
ثالثاً: الدعاء خصوصاً في هذا الشهر المبارك قال تعالى: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه"، وقال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانٍ".
رابعاً: استعن على قضاء الدين بعد الله بالصلاة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نابه شيء فزع إلى الصلاة، قال ثابت: كانت الأنبياء إذا نزل بهم شيء فزعوا إلى الله.
أخيراً: إعلم أن بعد العسر يسر، وبعد الشدة رخاء، وبعد الكرب فرج.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وأيضاً:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرج قريب.<