;
د. محمد سلمان العبودي
د. محمد سلمان العبودي

صـــاحــبــة مــشاگــل 1598

2008-09-15 03:27:36


الذين يؤمنون بالقضاء والقدر يقولون إن الله قد كتب على الولايات المتحدة الأميركية أن لا تنعم لا بالأمان ولا بالاستقرار لتدفع ثمن إثمها بإبادة سكان أميركا الأصليين. أما الفئة التي تؤمن بأن الإنسان مخير وهو بالتالي من يجلب لنفسه المتاعب والهموم فيرون أن الولايات المتحدة هي التي تثير القلاقل في كل مكان من العالم بسبب وبغير سبب وبالتالي لا تسلم من النار التي تشعلها باستمرار.

أيا كان الأمر، فالولايات المتحدة منذ أن تأسست واستقلت لم تنعم بالأمان. فبدءا من صراعها مع سكان أميركا الأصليين، إلى حروبها الأهلية، إلى تدخلها رغم بعدها الجغرافي في أتون الحرب العالمية الثانية، إلى حرب فيتنام، إلى صراعها مع الاتحاد السوفييتي إلى صدامها المستمر مع كوبا رغم فارق السن والطول إلى وقوفها غير العادل في صراع الشرق الأوسط مع إسرائيل، إلى قيادتها للتحالف بعد غزو الكويت وحروب أفغانستان والعراق والسودان والصومال ولبنان وحربها ضد الإرهاب ومحاولة استفزاز الجمهورية الإسلامية، والقائمة أكبر من أن يتسع لها هذا المقال. وهي تشبه إلى حد ما إخطبوطا بمئة ذراع يحارب بها جميعا في جميع الاتجاهات ودون أن ينتصر بواحدة منها!

ولا نعرف لها مع ذلك نجاحا باهرا في مساعيها تلك. واليوم رغم تورطها في أفغانستان ضد حركة طالبان وفي العراق ضد المقاومة الوطنية هناك ورغم أنها نجحت إلى حد ما في تحييد الاتحاد السوفييتي سابقا وتفكيكه، ورغم أنه كان من الأفضل لها أن تبقيه على حاله دون أن تستفزه أو تذكره بماضيه، وهي تعرف خير المعرفة بأن ذلك الدب لم يسلخ جلده بعد، مع هذا لم نعرف سببا وجيها ومقنعا في محاولة إيقاظه من بياته الشتوي.

ترى ماذا تريد الولايات المتحدة من استثارة غضب روسيا رغم انتهاء حقبة الحرب الباردة. من الصعب جدا التنبؤ بمخططات واستراتيجيات الولايات المتحدة خاصة في زمن حكم الجمهوريين.

صقور هذا الحزب لديهم بشكل صريح وواضح نزعة حربية متأصلة لم يستطيعوا ترويضها رغم أن العالم أصبح منذ أكثر من عشر سنوات يواجه عدة تحديات مصيرية تمتد من تزايد خطر تلوث البيئة إلى سخونة الأرض إلى أزمة الطاقة إلى ندرة المياه الصالحة للشرب إلى اتساع رقعة الفقر في العالم إلى تنامي الإرهاب. . . إلخ. وكان العالم يتطلع إلى شراكة قوية بين الدولتين الأعظم لمواجهة مثل هذه المآسي المتنامية.

حيث تمتلك هاتان القوتان من المصادر الطبيعية والمادية والتكنولوجية والفكرية والاقتصادية ما يمكنها من حل مشاكل العالم في طرفة عين. غير أن العالم فوجئ بإعلان الولايات المتحدة نشر منظومة الدفاع المضاد للصواريخ في بلدان أوروبا الشرقية.

رغم أن روسيا لم تعد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تشكل ذلك الخطر القديم على أية دولة أوروبية خاصة بعد انفتاحها على العالم الذي يطلق عليه العالم الحر ومحاولتها التقرب إلى الاتحاد الأوروبي في المجالات الاقتصادية والتنموية. والحجج التي ساقتها الولايات المتحدة لتبرير قرارها ذاك كان أشبه بعذر أقبح من ذنب.

فمحاربة الإرهاب بصواريخ باليستية متطورة لم يسمع به أحد بعد. كما أن إيران كما تدعي لا تهدد لا أوروبا ولا أميركا نفسها ولا تملك من المقومات الحربية واللوجستية للدخول في صدام عسكري معها أو حتى للوصول إليها.

وقد أثار هذا القرار حفيظة روسيا التي أصبحت اليوم تتحسر على العز السابق وكلمتها التي كان لها وزنها في قرارات العالم والتي كانت تسمع بوضوح في البيت الأبيض. وكانت هذه فرصة لا يمكن تضييعها للرئيس بوتين آنذاك: «إن الرد سيكون فعالا بأعلى درجة». وسواء كانت روسيا حاضرا قادرة أو غير قادرة على الرد المناسب، إلا أنها بالتأكيد ستعيد حساباتها بعد أن سحب البساط من تحت قدميها في كافة المجالات وأصبحت مهددة بتفكك أكبر لجمهورياتها المتعددة وبعد أن استعادت اقتصادها.

فليس مستغربا أن تهدد روسيا اليوم برد عسكري على إقامة محطة رادار أميركية في الأراضي التشيكية في إطار منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية معتبرة أن توقيع هذا الاتفاق يزيد الوضع الأمني في أوروبا والعالم تعقيدا ويهدد مصالحها القومية، وهذا ما دفعها في نهاية المطاف إلى تعليق مشاركتها في معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في القارة الأوربية والتي تم التوصل إليها بين الاتحاد السوفييتي السابق وحلف الناتو.

هذا بالإضافة إلى الأزمة الجورجية الأخيرة في أجندة الصدام الروسي الأميركي، واتهام روسيا للولايات المتحدة الأميركية بأنها مصدر هذه القلاقل وأنها تمد النظام الجورجي بالأسلحة وتدفعه للتمرد.

بالطبع الولايات المتحدة ترغب في إبقاء روسيا خارج لعبة الاتحاد الأوربي الذي تعتبره حليفها الاستراتيجي في السراء والضراء. وأن أي تقارب بين روسيا وأوربا قد تدفع ثمنه الولايات المتحدة الأميركية على شكل عزلة تضاف إلى عزلتها الحالية بعد تورطها في حروب غير ذي جدوى في أفغانستان والعراق وما أدت إليه من أزمات داخلية بينما ستتنامى القوة الروسية.

فنشر هذه الصواريخ يبدو أن من بين أهدافه غير المعلنة جر أوروبا إلى تعميق وتأصيل روابطها مع الولايات المتحدة في مواجهة روسيا من جهة، وإثارة الفتنة بين روسيا وأوروبا من جهة أخرى والتي كان من الممكن أن تتحول إلى مواجهة فيما بينهما بينما تجلس الولايات المتحدة على مقعد المتفرج. وقد كادت تنجح الخطة لولا زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي الأخيرة لموسكو على رأس وفد من الاتحاد الأوروبي.

وهي زيارة ذكية جدا هدأت من الخواطر وأذابت الثلوج، خاصة بعد تصريحات ساركوزي برفضه لغة فرض العقوبات وانتقاده تواجد البوارج العسكرية الأميركية والأطلسية في البحر الأسود قرابة الساحل الروسي. ولم تتردد روسيا في مساعدتها على إنجاح مساعي الدبلوماسية الفرنسية التي تمثل الاتحاد الأوروبي (حيث يرأسها حاليا الرئيس الفرنسي ساركوزي) وكل ذلك بهدف إفشال المخططات الأميركية.

إن روسيا اليوم ليست روسيا الأمس. والولايات المتحدة الأميركية اليوم ليست الولايات المتحدة الأميركية الأمس. فالأولى قويت شوكتها بعد أن قوي اقتصادها بفضل ارتفاع عائدات أسعار النفط والغاز، وبالتالي لم يعد للغرب أي تأثير على سلوكها بعد أن استغنت عن مساعداته ودعمه وقروضه كما كان يحدث في السابق وبالخصوص في التسعينيات من القرن الماضي.

بينما الثانية واصلت إخفاقاتها على كافة الأصعدة: العسكرية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية بل والدولية. فلم يعد العالم يصدق بحكايات علي بابا والأربعين حرامي ولا بقصة الذئب والعنزات الثلاث التي طالما رددتها الولايات المتحدة على مسامع العالم قبل النوم بهدف تخويفه من أنياب الاتحاد السوفييتي سابقا وروسيا الاتحادية حاليا.

وما زلنا نجهل سبب اختيارها للأساليب الملتوية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية التي لم تتحقق بينما كان بإمكانها تحقيقها بنجاح بالطرق الودية؟ ألم تقع هذه الدولة العظمى في نفس المطب في بلاد ما بين النهرين فخسرت كل ما كان مقدرا لها أن تكسبه بيسر ودون إراقة دماء أكثر من 4000 جندي أميركي فيما لو أنها حافظت على وجود صدام حسين رئيسا للعراق؟

فمتى وأين ستكون المشاكسة التالية؟. <

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد