طه العامري
ليس المهم أن نصمد أمام الأزمات والظواهر الإنكسارية المربكة للمسار الحياتي، بل المهم أن نعمل على أن لا تصل إلينا هذه الأزمات بكل ظواهرها ومسمياتها وجوانبها الحياتية، أن التصدي لأي ظاهرة أزماتية لا يعني بأي حال من الأحوال تخلصنا منها واننا تجنبنا تبعاتها، بل لكل أزمة معالم تتركها على مسارنا وفي مفاصل حياتنا عملاً بالمثل الشائع الرصاصة التي لا تقتل تدوش والأزمات تشبه طلقات الرصاص، فهي تحدث دوياُ ووقعاً في الذاكرة وتخلق حالة من الإرباك في الوسط المجتمعي، ناهيكم أن الجزم بقدرتنا على التصدي للأزمات لا يعني أننا لا ندفع ثمنها بصورة أو بأخرى، لذلك يصبح من المهم أن نفكر بطريقة حضارية وأكثر عملية وهي كيف نعمل بوعي وطني وبعلمية ومعرفة وبما يجنبنا تبعات وويلات هذه الأزمات فعلاً لا قولاً، فالتصدي للأزمات والظواهر الأزماتية يعني أن نكون بعيدين عن كل ما يترتب على هذه الأزمات والظواهر، وهو فعل يصعب تحقيقه، فالتصدي يعني أن هناك ثمناً ندفعه وتضحيات نقدمها، وهذا الفعل ليس هو المطلوب، بل المطلوب أن نعمل وفق آليات وطنية مدروسة تجعلنا محصنين من فيروسات الأزمات، وأن نتعامل مع المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية وفق القدرات المتاحة وطنياً، ونوظف هذه القدرات بطريقة صحيحة بعيدة عن وسائل التقليد وطرق المحاكاة التي نحاول من خلالها تقليد الآخرين ومحاكاة أنماطهم دون أن نملك العوامل التي تكفل لنا مسايرة هولاء وإيصالنا إلى مراسي أهدافنا الحضارية وحاجتنا الوطنية ومن خلال توجيه قدراتنا المتاحة واستغلالها الاستغلال الأمثل عبر منظومة التشريعات الوطنية التي يجب أن تفعل وتكون عنوان حراكنا الوطني بكل جوانبه الحضاريه والتنموية.
بيد أن حديث بعضنا عن منظومة الأزمات حديثاً مبالغاً فيه وغير دقيق وتعرف عدم دقة هذه الأحاديث تلقائياً من خلال مفردات الحديث ذاته ودون الحاجة لانتظار تبعات هذه الأحاديث ميدانياً؛ لأن مجرد التوقف أمام العناوين المتفائلة فيه من الكفاءة لكي ندرك حقيقة الإفراط والتفاؤل بصورة تنم عن غياب الشفافية والصراحة وتلك تصرفات تفقدنا الكثير من العوامل المعبرة عن معطيات المسار وتبعاته وتداعياته أقلها غياب الشعور والإحساس بالمعاناة الوطنية وتلك ظاهرة يترتب عليها ثقافة تتوزع بين ثقافة الإتكالية وأخرى هي الأطر ونعني بها تلك التي تدفع البعض إلى تهويل نسبة وحجم الاختلالات التي تستوطن مسارنا وتتحكم بتوجهاته وهو تهويل مقرون بتهويل آخر يتصل بحجم ما لدينا من قدرات متاحة حتى أن لدى بعضنا اعتقاد بأن قدراتنا وإمكانياتنا كفيلة بتحقيق المعجزات دون إدراك لكثير من الحقائق التي هي محل جهل العامة فيما ما يحمله خطاب بعضنا وكما أسلفت يتوزع بين ثقافة التهويل عن العجز لدرجة مثيرة وثقافة تهويل أخرى تعظم القدرات ولكن يربط أصحاب هذه الثقافة السياسية بين عظمة القدرات والسيطرة عليها من قبل المسؤولين على إدارتها، حتى اختلط على المتلقي الوطني وجمهور المستفيدين من أبناء الشعب حقيققة الواقع الذي تمر به البلاد وحقيقة القدرات المتاحة أمامها..!!
أن الأزمات التي تعصف بالمجتمعات وعلى مختلف مسمياتها وجوانبها ومجالاتها هي بصورة أو بأخرى تحدث تأثيرها وتفرض هذا التأثير على جميع المجتمعات ولادول، ولهذا نتمنى أن لا نكون ضبابيين في توصيف الحقائق التي يجب أن تعلن للناس بشفافية وصراحة ووضوح ليدرك كل مواطن دوره ومسؤوليته ويعمل على ترتيب نفسه على أن يكون شريكاً فاعلاً في التعاطي مع كل الظواهر التي تمس الوطن ومساره وتحولاته، فالتهوين من تبعات الأزمات فعل من شأنه أن يعزز ثقافة الرؤية السلبية التي يرى بها المسار ورموزه وطرق إدارته وهو فعل يجعل ثقافة الشك التي يروج لها البعض بدافع الكيد ثقافة مقبولة من قبل العامة الذين يقيمون الراهن من خلال الأحاديث التفاؤلية التي يطلقها البعض ودون أن يطلب من هم التسويف بل الشفافية في التوصيف والصراحة في الطرح والعلمية الواعية والمدروسة في المعالجة التي يجب أن يكون الكل مدركاً لوسائلها وأدواتها.
أن الكثير من الظواهر الإقليمية والدولية تلقي بتبعاتها على واقعنا بدليل أننا ندفع ثمناً باهظاً غالباً لأزمات إقليمية ودولية، فالأزمة الصومالية مثلاً كبدتنا الكثير وحملتنا من التبعات ما لم يدرك حجمها مواطنونا لأن القائمين على الأمور يخجلون من طرحها بصدق وصراحة لأسباب لست معنياً بطرحها في الوقت الراهن على الأقل، ربما حتى الأزمات هنا يعمل البعض على استغلالها ويحاول أن يجعل منها مشاريع استثمارية ناجحة تستغل لصالح هؤلاء الذين يربكون الوطن والقيادة والمسار عند كل أزمة أو ظاهرة باسم التصدي للأزمة، بل حتى الأزمات الداخلية يجد فيها البعض ضالته خاصة أن كانت ذات دوافع معقدة وقابلة للديمومة كظاهرة تتصل بنسق المجتمع وبجدار تماسكه والحليم تكفيه الإشارة.