عبدالمجيد السامعي
بداية يحسن بنا أن نعرض لمفهوم الحوار ومفهوم حوار الحضارات حتى نتعرف على جو الحضارات وننطلق لرؤية واضحة تكشف عن ضرورة الحوار وشرعيته للحياة وحاجة الإنسان إليه، والحوار هو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، يقال: حار إلى الشيء وعنه حوار ومحاراً ومحاوره أي راجع عنه إليه، وفي الحديث: "من دعا رجلاً بالكفر وليس فيه حار عليه" أي رجع إليه ما نسب إليه.
والمحاورة هي مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة قال تعالى: "قال له صاحبه وهو يحاوره"، أي وهو يراجعه في الكلام ويجادله، والتحاور يأتي بمعنى التجاوب، لذلك كان لا مندوحة في الحوار من متكلم ومخاطب، ولا بد في الحوار من مراجعة الكلام وتبادله وتداوله، وغاية الحوار توليد الأفكار في ذهن المحاور والمتكلم لا الاقتصار على عرض الأفكار القديمة وفي الحوار توضيح للمعاني وإغناء للمفاهيم مما يؤدي إلى تقدم الفكر والتصور، وإذا كان الحوار تجاوباً بين الأضداد كالفكر المجرد والمشخص والمعقول والمحسوس سمي جدلاً، والجدل هو النقاش والخصومة، وهو منطقياً قياس مؤلف من مقدمات مشهورة أو مسلمة، وغرضه إلزام الخصم وإقحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان، والجدل أصلاً هو فن إدارة الحوار والمناقشة، قال أفلاطون: الجدلي هو الذي يحسن السؤال والجواب، وغايته الإرتقاء من تصور إلى تصور ومن قول إلى قول للوصول إلى أفضل التصورات وأعلى المبادئ واقتبس الباحثون عن أفلاطون فأطلقوا الجدل على الارتقاء من المدركات الحسية إلى المعاني الكلية.
وقبل أفلاطون زعم سقراط: أن العلم لا يعلم ولا يدون في الكتب، بل يكتشف عن طريق الحوار، ويذكر العلماء: أن قاعدة القواعد في النظام الكوني هي حوار الكائنات ليأخذ بعضها من بعض ويعطى بعضها بعضاً كما هي طبيعة الحاجة، فيكون الانسجام والشد والعقد والاستمرار، فالحوار ليس مقتصراً على الكلمات اللسانية المسموعة وإنما قد يتجاوز إلى الإشارة الموضحة والبسمة المشرقة والحس الخافق والدورة المقبلة، والعمل الصالح والموقف الصالح، حتى الصمت لا يبعد أحياناً من أن يكون حواراً.
ومن البداهة القول: بأن الإنسان كائن عقل واجتماع، كائن علاقة وحاجة، ومن البداهة القول: إن هذه الأحوال من أحوج حاجاتها اللقاءات المتحاورة، ليكون المجتمع على بينة من أمر علاقاته، وعلى تناسق مؤتلف، وتفاهم واع، وترابط معقول.
كما الكون بقوانينه وأنظمته التي تجعله يخفض بعضه بعضاً، ويستمر بعضه ببعض وهذا هو أصل مفهوم الحوار، أما الحضارة فإنها مأخوذة من الحضر، والحضر خلاف البدو، والحضر خلاف البادي وفي الحديث النبوي: "لا يبيع حاضر لباد" الحاضر هو المقيم في المدن والقرى، والبادئ المقيم في البادية، ويقال: فلان من أهل الحاضر، وفلان من أهل البادية،
والحضارة بكسر الحاء الإقامة في الحضر، فإذا أردنا الحوار فعلينا أن نقنن للحوار ونمنهجه ضمن أبجديات التعليم الأساسي والثانوي والجامعي لنشر ثقافة القبول بالآخر.