;

ضحايا الوطن!! 802

2008-10-18 22:14:19

سعد علي الخفاشي

كان واحداً ممن كتب لهم النجاة من مقصلة الموت على أيدي الخارجين عن الشرعية من دعاة الانفصال في صيف 1994م، والذين تم الزج بهم إلى السراديب الضيقة في إحدى السفن بساحل عدن البريقة من بداية إرهاصات تلك الحرب الطاحنة التي كلفت اليمن مئات المليارات ومئات الشهداء والضحايا.

ثم تم إطلاق سراحهم مع زملائهم من أفراد كتيبة الأمن المركزي التي كانت مرابطة آنذاك في مدينة عدن الباسلة بقيادة العميد: شرف الموشكي.

ومع أنه وكذلك زملائه الآخرين من أفراد هذه الكتيبة أعتبروا منذ نهاية المعركة المؤسفة من عداد المجازين والمصابين وجرحى الحرب بحيث يعود كل منهم إلى منزله ويتقاضى مرتبه من هناك فإنه قد رفض المثول لتنفيذ مثل ذلك القرار ومنشآتها وفضل الاستمرار في أداء واجبه العظيم كجندي أمن في ميدان البطولة والفداء حارساً متفانياً لمصالح البلاد وممتلكاتها العامة.

* أنه أب لأربعة من الأطفال أكبرهم "أحمد" في الحادية عشر من العمر وأصغرهم "وفاء" "3 سنوات" وهو يعول كذلك أبويه العاجزين وأختين عانستين لم يحالفهما الحظ في الزواج، ولأجل ذلك فهو الوحيد المعني بإعانة ورعاية هذه الأسرة وتأمين مستقبل العيش اللازم لها، ليس له أي مصدر مالي آخر للدخل غير مرتبه الشهري الذي يتقاضاه نهاية كل شهر والذي لا يتجاوز "28" ألف ريال وما يحصل عليه من علاوة شهرية من الجهة التي يقوم بحراستها لا تتجاوز عن ثلاثة آلاف ريال، ولأنه ريفي ومقر عمله في المدينة فهو يعيش حياة مغترب معتمداً على ذلك الدخل الزهيد في الانفاق على نفسه وإرسال مبلغ شهري لوالديه ومبلغ لزوجته لشراء قمح ودقيق وزيت وسمن وصابون.. إلخ.

* إن مشكلته تكمن في محدودية دخله ومعاناته الكبيرة في عدم القدرة على زيارة أسرته وأبنائه إلا في فترات بعيدة؛ لأن مرتبه بسيط ولا يمكنه من توفير نفقات السفر وحاجيات الزيارة للأهل ولذلك فهو يعيش مع زملائه حياة صعبة لا راحة فيها أجمل أيامهم يوم استلام الراتب وأتعسها من ثاني يوم استلموا المرتب وحتى نهاية الشهر.

* كان جالساً على مقعده الخشبي أمام بوابة المنشأة الحكومية المكلف بالعمل على حراستها فسئلني متى تبدأ مهام الانتخابات؟ فأجبت: لماذا؟ قال: لأنهم قالوا لنا أنه سيتم تكليفنا مع اللجان الأمنية المكلفة بحراسة لجان الانتخابات، ونحن ننتظر اللحظة التي سيتم فيها تحقيق هذه الغاية ثم انحنى جانباً وبدا كمن أطلق لخياله العنان وهو يتأمل ذلك الأفق البعيد وعلى شفتيه ملامح ابتسامة هادئة كمن يحلم بشيء كبير ورائع، فتساءل مرة أخرى بعفوية مطلقة حين وجدني لم أزل بجواره محتبياً على جدار ذلك المبنى الحكومي فقال: تعتقد كم مقدار البدل الذي سيعطى للعساكر الذين سيكلفون بحراسة لجان الانتخابات؟ وكم ستدوم فترة هذه المهمة؟

قلت: لماذا؟

قال: لأن العسكري في هذه البلاد من أردئ خلق الله وأدنى مستوى، ولا يعطى أي حق، ويتم إنصافه سواء بسواء مثلث بقية موظفي الدولة!!

- ليش مرتب العسكري قليل جداً وأقل من غيره في هذه البلاد؟!

ثم صمت قليلاً واسترسل مجدداً في إطلاق تلك التساؤلات المثيرة قائلاً:

- لماذا لا يعترفون بالعسكري وبجهوده وبتنظيماته؟

- لماذا لا ينصفوه في الحقوق كما يكبلوه بالواجبات؟

قلت: ماذا تقصد بكل ذلك؟

قال: لأن العسكري هو أول من يضحي برأسه في وقت الشدة!!

وعاد من جديد فصمت وبدأ في تأمل ذلك الأفق البعيد ثم قال:

- هل تدري أني منتظر هذه الفرصة من سنتين حتى أتمكن من توفير قيمة بقرة لزوجتي لتوفر الحليب للأولاد بدلاً عن بقرة أمي التي ماتت والتي كانت تمن علينا بالحليب والحقين والسمن!!

- ثم استرسل في الحديث مجدداً بعد لحظة صمت فقال: الشيء الذي أنا متأكد منه أن هذه الفرصة وأن تحققت فلن يتحقق شيء مما نحن نرجوه!

- قلت: ولماذا كل هذا التشاؤم؟

قال: لأن العسكري مش محسوب في هذه البلاد.

وتابع قائلاً:

- هل تدري أني لم أتمكن من زيارة الأهل منذ عيد عرفة الماضي بسبب المصاريف!! وأن زوجتي وأمي تنتظران موعد الانتخابات التي وعدوني بالمشاركة فيها بفارغ الصبر لنشتري "البقرة" أو حتى ... أسدد جزءاً من ديوني للناس و.. و.. و..

وصمت من جديد وعاد فأطلق لبصره العنان يتأمل ذلك الأفق البعيد وهو يتمتم بصوت خافت "بزامل" قصير.

قالت زوجة العسكري: أين العسكري المفتري .. جالس في المعسكر بلا شي!!

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد