علي راشد علبان
قديماً كان والدي حفظه الله يقول لي ولإخوتي العلم يبني بيوتاً لا أساس لها، أيام كان للعلم هيبته، وللامتحانات قدسيتها ورهبتها. . أما اليوم فلا أظنه - العلم - يستطيع أن يبني حتى "صندقة" على قارعة الطريق؟!
ولو كان القوم في التربية والتعليم "الامتحانات" لديهم قليل إحساس بالمستقبل، لحملوا أمتعتهم وغادروا خجلين.
ليس " الغش" وحده هو المشكلة، فربما لا يزال في جيب أحد المسؤولين "برشام" غش، مخبأ منذ سنوات الدراسة، ويحمله الآن لمجرد الذكرى فقط. . للذكرى لا أقل ولا أكثر!!
الأمر عادي يا جماعة، فأغلبنا غش عند أي امتحان - والحمد لله!!
لكن المشكلة أن الغش - الآن _ لم يعد وسيلة احترازية لأي طارئ صعب يحدث في قاعة الامتحان، بل صار وسيلة سهلة جداً للنجاح، وبتفوق كمان؟!
أفظع من ذلك. . أن بعضاً من أولاد المسؤولين "طلبة الثانوية العامة" مثلاً مثلاً، حولوا المراكز الامتحانية إلى سوق غش لا يجرؤ أحد على ضبطها، حتى إن واحداً من أبناء المسؤولين دخل إمتحانات العام الماضي بدون رقم جلوس في أمانة العاصمة " والوزير يعرف ذلك" بعد أن سمح له يوماً واحداً ثم سمح له بقية الأيام بتوجيهات عبر الهاتف!!!
بوسع وزير التربية والقائد العام للإمتحانات العامة أن يلمحوا أمام المركز الامتحاني سيارات أبو دبه، ومونيكا، ولاند كروزر حكومي. . ستشعر بالأمان - للحظة - وفي ظنك أيها الزائر أن الدولة كلها حضرت لمراقبة سير العملية الامتحانية لتتم بهدوء، لكنك سرعان ما تكتشف أن ذلك الزحام ليس إلا تجمعاً جاء لتسهيل مهام "ابن مسؤول حق أبوه" داخل قاعة الامتحان؟!
لقد صار المنظر مألوفاً، وعادياً جداً، ما دام ابن "فلان" بكله يمتحن هنا، فعلى الجميع أن يضربوا له تعظيم سلام؟!\
ومثلما تدخل اللقمة والوظيفة والمناصب مقشرة إلى فمه لأنه ابن مسؤول، فكذلك تدخل البراشيم مقشرة إلى حيث يجلس في قاعة الامتحان؟! ويتحول رئيس المركز الامتحاني والمراقبون داخل القاعة إلى ما يشبه "المضيفات" المهذبات في خدمة ابن الفندم!! وكي لا أكون متحاملاً على أبناء المسؤولين فهناك أولاد المواطنين العاديين تدخل إليهم البراشيم ودفاتر بإجابات نموذجية، لينبت في النهاية جيل نموذجي!! مؤهل جداً "لبطح" ما تبقى في هذا الوطن!!
بالبندقية عموماً قد تقتل شخصاً واحداً، أو اثنين أو عشرة لكنك بالتعليم، تقتل شعباً بأكمله، إن ما يحدث في امتحانات الثانوية أو أي امتحانات أشبه بجريمة حرب، سنشعر بآثارها لاحقاً، مع أننا بلا شعور من أصله، أسألكم بالله لماذا سيذاكر الطلبة والغش يدخل طاااااازجاً إلى قاعة الامتحان؟!
- لماذا سيحاول البعض أن يتفوقوا طالما وأن "البرشام" قد يساوي بين الجميع بالدرجات، وبالمنح، والوظائف إن وجدت!!
- دعوني أتفلسف قليلاً على اعتبار أنني "مبرشم" قديم وأقترح على المختصين ما يلي:
أن تتم الامتحانات بطريقة مجموعتين مثلاً: المجموعة الأولى لمن يبحثون عن التفوق، والثانية لمن يبحثون فقط عن شهادة "ناجح ومنقول" وكل مجموعة من تلك تحددها درجات امتحان أول ثانوي وثاني ثانوي يعني اجتهاد تراكمي، المتفوقون خلال تلك السنوات الثلاث يذهبون فيما بعد لامتحانات المتفوقين المجموعة "أ" وهؤلاء هم صناع الحياة، فيما البقية يذهبون لامتحانات المجموعة الثانية يغشون براحتهم وينجحون، ويحصلون على شهائد، لكن شهادة عن شهادة تفرق ومستوى عن مستوى يفرق ومركز امتحاني عن مركز امتحاني يفرق، ما أريد إيصاله في مقالي هذا هو شيء واحد:
هو أن يأخذوا وزراء الجمهورية البلد بأراضيها وسهولها وجبالها والبعثات الدراسية والمنح ويتركوا لنا أوائل الجمهورية لأبناء المواطنين الذين كد آباؤهم ليصبح ولده من المجتهدين بثمن تعب والديه. .