شكري عبدالغني الزعيتري
منذ بدايات القرن العشرين اتجهت الكثير من الدول الأوروبية إلي تبني الديمقراطية نهجاً في نظام حكمها .. ومع مرور السنين كان النهج الديمقراطي لديها قد تعمق كممارسة حقيقية في نظم الحكم لديها ووصل إلى أن تعمقت كممارسة لدى الكثير من شعوبها .. و ذهبت تلك الدول التي تسمي في عصرنا الحالي الديمقراطية نحو الأكثر تقدماً بأن امتد نهجها الديمقراطي كممارسة في كافة شئون حياة مجتمعاتها سوى في الجانب الاقتصادي .. أو الاجتماعي.. أو الثقافي .. وأصبحت تشرع القوانين وتبتكر آليات وإجراءات تنفذها من خلال تفعيل ديمقراطية النقاش والتشاور وتقديم كلا لبرهانه واستدلالاته ودراساته وبحوثه لإثبات صحة وفعالية ما يطرحه من أفكار ونظريات تجاه قضية نقاش وجدل (عامة) تهم المجتمع وأيضا استخلاص العبر مما لدى الآخرين .... إذ يتم طرح كل الأفكار من قبل المعارضين وان كانت متناقضة ودون ممارسة القمع لأي فكر معارض من قبل أفراد السلطة والحكم ودون اضطهاد أصحاب الفكر المعارض أو المصادرة للحرية أو الحياة لصاحب الفكر المعارض .. ويتم الطرح وتجاه كثير من قضايا النقاش سوى السياسية .. أو الاقتصادية .. أو الاجتماعية.. أو الثقافية ... ومناقشتها سوى عبر وسائل الأعلام المختلفة المسموعة و المقرؤه أو عبر الندوات والمؤتمرات المفتوحة جماهيريا و بشفافية او من قبل المنتخبين ديمقراطيا ويمثلون عامة الشعب في هيئات شعبية متعددة وليس شرطا (المجالس النيابية ) وغيرها ... ويتم دراستها للخروج بما هو صائب للتنفيذ ... وهذا أفرز لدى الدول السائرة وفق النهج الديمقراطي الحقيقي وممارسته قي شئون حياة مجتمعاتها التطور والتحديث والبناء وأيضاً ساعد على الابتكارات والاختراعات إذ أتاحت الديمقراطية أمام العقل والفكر البشري مساحة واسعة من الحرية وعليه اظهرت دولا ناجحة في كافة جوانب شئون حياة مجتمعاتها وادي إلى رقيها نحو التقدم والازدهار في شتى جوانب العلم والحياة.. وتجارب الشعوب المتقدمة الأوروبية أثبتت بأن الديمقراطية عامل أساسي في البناء والنمو والتقدم والازدهار لشعوبها وبلدانها ويثبت تاريخ دول أخري والتي كانت في العهد القريب تعيش تحت وطأة التخلف والفقر واتخذت الديمقراطية الحقيقية في شئون حياتها تقدمت وتجاوزت التخلف والصراعات السياسية ومثل ذلك (دولة ماليزيا ) وهذا يثبت إن اتخاذ الديمقراطية نهجا حقيقيا دون مغالطات لكسب سياسي أو كسب إدارة حكم لدي الدول العربية التي مازالت ترزح تحت وطأة التخلف إن ممارستها الديمقراطية الحقيقية في شتى جوانب الحياة (السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ) هي الطريقة للخلاص من التوترات والصراعات السياسية والخوف من إقصاء كلا الآخر ومصادرة حياته والخلاص من التخلف والفقر وغيره .... ونقول نحن من وجهة نظرنا بان الديمقراطية لدي شعوب العالم الثالث وما تسمى به (الدول النامية ) هي سيف ذات حدين إما أن يكون حد نافع في اتجاه قطع دابر الفقر والتخلف والتراجع والصراعات السياسية والمتناحرات .... فيعزز ذلك من التقدم والتطور ... وإما أن يكون حد قاتل يذبح (ودون رحمة) ... ويمكن القول أيضا وفق ما تقدم بان الديمقراطية ذات وجهين ديمقراطية بناءة.. والوجه الآخر ديمقراطية فوضوية وتخريبية وهدامة ويمكن توجيه الممارسات للديمقراطية لتكون ديمقراطية بناءة .. أو توجيه الممارسات للديمقراطية لتكون ديمقراطية فوضوية و تخريبية وهدامة ... وإذا ما القينا بنظرة تعمقيه لواقع الساحة اليمنية السياسية لنرى هذا النهج الديمقراطي الذي نمارسه نحن اليمنيون في اليمن .. ونرى إن كان يمارس وبشكل صحيح وايجابي يؤدى إلي تحقق الديمقراطية البناءة ومن ثم يؤدي إلى البناء والتقدم والتطور والازدهار... أم أن النهج الديمقراطي يمارس وبشكل خاطئ وبما يحقق الديمقراطية الفوضوية والتخريبية والهدم ...
فمثلاً : الحال للواقع اليوم في ما نراه أن أفراد المجتمع اليمني بالساحة في حالة انقسام إلى أربع فئات الأولي فئة تؤيد حزب السلطة والأحزاب الموالية .. والفئة الثانية تؤيد أحزاب المعارضة (أحزاب اللقاء المشترك ) .. والفئة الثالثة أفراد يهتمون بالسياسة والمجريات العامة وهم مستقلين عن حزب السلطة وأحزاب المولاة للسلطة ... وعن أحزاب المعارضة أيضا .. والفئة الرابعة أفراد غير مهتمين بالسياسة والشئون العامة ولا يتدخلون ولا يؤيد هذا الفريق أو ذاك ولا علم لهم بما يدور في السياسة والحكم .. كما نرى في الساحة اليمنية كل فريق سياسي سوى حزب السلطة وأحزاب الموالية له .. أو فريق أحزاب المعارضة كلا يمتلك أدبياته ووسائل إعلامية وثقافية يستخدمها لنقل الفكر والتوجهات التي يراها في مصلحته ومصلحة نهجه السياسي وما يراه من وجهة نظره ويبث الرسائل والأفكار والثقافة التي بها يؤثر ويسيطر فيها على أتباعه من عامة المجتمع اليمني ويكسب ويؤلب المزيد ضد الآخر .. وأن وجهنا نظرتنا التحليلية لما يجري علي الساحة السياسية اليمنية وبعمق ألي ما يطرح من أطروحات ويبث من رسائل وتغرس من الثقافة وفكر لدى كل طرف وموجهه إلى أتباعه ومؤيديه ومن خلال الرسائل الإعلامية عبر القنوات الإعلامية والثقافية المتاحة أمامه فإننا سنجد الممارسة في الساحة اليمنية في اعتقادنا كما يلي :
أولاً : الابتعاد عن طرح الرأي البناء الذي يعمل على تشخيص المشكلة ومن ثم تحليلها المشكلة لاكتشاف الأسباب الحقيقية لها وتوضيح وبشكل حيادي وللعامة هذه الأسباب الحقيقية وتجاه كل مشكلة وأزمة .ومن ثم اقتراح المعالجات والحلول تجاه المشكلة أو الأزمة عامة سوى كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية..
ثانيا : نرى بان ما يطرحه كل طرف للعامة من الشعب أو لمؤيديه واتباعية في أطار ما يلي:
(1) تذهب الأحزاب المعارضة(أحزاب اللقاء المشترك ) نحو تشخيص مشكلة ما قضية ما أو أزمة ما (عامة) بان يتم توصيفها للعامة و لمؤيديهم و أتباعهم وتجسيدها كعيب وخطاء يرتكب ويمارس وبعمد من قبل الطرف الآخر (الحزب الحاكم ) وبذلك يكيل الاتهامات واللوم والنقد الهدام والجارح بأنها تفتعل وان التقصير متعمد .. وعليه يتم التخطئة الموجهة ألي الحزب الحاكم .. هذا الفكر وهذه الثقافة والأطروحات التي تبث وبشكل رسائل سوى في مقالات صحيفة أو بيانات سياسية أو تقارير أو قصص وروايات .. الخ تؤدي إلى غرس الكراهية والحقد والبغض لدي العامة في أوساط المجتمع اليمني من المؤيدين للأحزاب المعارضة (أحزاب اللقاء المشترك ) من أبناء الشعب ويتعمق في أعماق العامة والتي تترك فكر وثقافة عدائية أي يتم (صناعة قنبلة موقوتة قيد الانفجار في أي لحظة ) باعتقاد المعارضة أن القنبلة تصنع ضد الطرف الأخر (الحزب الحاكم) وستفجر عليه .. وفي حقيقة الأمر سيتضرر من انفجار هذه القنبلة عامة الشعب اليمني
(2) يذهب الحزب الحاكم والأحزاب الموالية ألي طرح المبررات والردود وممارسات ضغوط بمختلف أنواعها وأشكالها والذي يمتد أحيانا إلى مؤيدين وأتباع من العامة .. وهنا يتشكل فكر وثقافة المواجهة للأحزاب المعارضة والتي تغرس في أعماق مؤيدي ومناصري الحزب الحاكم وأحزاب الموالاة وتبث هذه الرسائل كرد على ما تطرحه أحزاب المعارضة .
(3) نرى انه في نهاية كل مطاف وأمام كل مشكلة وأمام كل قضية أو أزمة (عامة) سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية .... كل طرف يشحن ويعبئ مؤيديه من أبناء الشعب ويحاول جذب المزيد من أفراد العامة ضد الفريق الآخر
وإذا ما تصور يوماً (ولا قدر الله تعالي ) ولأي سبباً انفرط خيط المسبحة و اندثرت خرزه والتي ستتطاير في كل اتجاه والذي قد يؤدى إلى انفجار القنبلة الموقوتة التي أسهم في صناعتها كل طرف ولدي أتباعه ومناصريه ومؤيديه من عامة الشعب وفي وتجهيزها للمجتمع اليمني ولقتله ... ماذا سنرى جميعاً (قتال داخلي وبوحشية) بين أفراد الشعب وكلاً يدافع عن أفكاره وتوجهاته والثقافة والفكر التي غرست فيه من ثقافة وفكر وتوجهات الأحزاب السياسية التي كان يؤيدها.. وفي النهاية قد يحدث صراع داخلي يؤدي إلى خراب وهدم البلد أرضا وشعب .. ولربما لا يستطيع أحداً إيقافه إلى بعد أن يكون قد أكلت النار الأخضر واليابس .. وأنهك قوى الشعب.. وأهدرت إمكانيات البلد .. ولن ينجو حينها من ذلك الخراب ولسعات النار احد سواء من كانوا في السلطة أو من كانوا في المعارضة .. إذ لا احد سيترك نفسه يذهب إلى قبره هباء منثورا دون مقابل ودية يأخذها معه من غيرة من المعارضين أو الأتباع أو المؤيدين .. وفي الأخير وليس بأخير وإنما البداية ... مطلوب من كل طرف ومن منطلق (ديني ووطني وأنساني ) أن يفتح كلا أمام الآخر صفحات جديدة وبصدور رحبة ومن كلا الفريقين .. ونرجو أن يعي الجميع لهذا وان يحسنوا التعامل مع بعضهم البعض ومن منطلقات الحكمة .. والبصيرة .. والإنسانية .. والوطنية ..والدين .. فلا أحد المستفيد من أي خراب وتخريب وهدم في داخل الوطن . فلا السلطة ورجالها ومناصريها .. ولا أحزاب المعارضة وسياسيها ومؤيديها.. بل كلا الطرفين خاسر .. بل كامل البلد اليمني أرضا وشعبا الخاسر.. فلماذا لا يضع كل سياسي في رأسه سواء كان ينتمي إلى حزب السلطة أو احد أحزاب الموالاة أو ينتمي ألي أحد أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك ) الاعتبارات لهذا .. والإصرار علي الاستمرار في التوجه نحو الشحن والتأليب الضد .. وبالتالي التخريب والهدم الذي يخزن في الصدور غلاً .. ومطلوب أن يذهب الفريقان نحو التفكير بعواقب ما يجري بالساحة اليمنية وما يغرس لدى عامة المجتمع من أفكار وثقافة حقد وكراهية وصراع وبأنه بهذا يتجه نحو صناعة قنبلة موقوتة الانفجار في اليمن وقد تنفجر في أي وقت وستضر بالجميع قتلا .. لكي يترك الاستغلال السيئ للديمقراطية ويدعه من تحويلها من ديمقراطية حضارة وبناء وتطور وتقدم إلى ديمقراطية تخريب وهدم . وأين العقل في هذا..؟
نستقبل آراء القراء للكاتب على البريد الالكترونيShukri_alzoatree@yahoo.com