;

صلاح الدين الأيوبي.. وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس ..الحلقة الخمسون 1006

2008-10-23 03:13:18

المؤلف/ علي محمد الصلابي

وقال عنه القاضي عياض:

وصنف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته وقدم كلامه وقدرته، وأمور السمع الواردة من الصراط، والميزان، والشفاعة، والحوض وفتنة القبر التي نفتها المعتزلة، وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المبتدعة ومن بعدهم من الملحدة الرافضة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وأما ابن عساكر فقد أفرد كتاباً في الدفاع عنه، ومدحه كثيراً، وجعله من المجددين، وذكر الروايات الواردة في مدح قومه وأسرته، وكذلك السبكي في طبقات الشافعية، وكان مما قال فيه: شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري شيخ طريقة أهل السنة والجماعة، وإمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المسلمين، سعياً يبقى أثره إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين، إمام حبر، تقي بر، حمى جناب الشرع من الحديث المفترى، وقام في نصرة الإسلام فنصره نصراً مؤزراً.

وغيرهم من العلماء الذين مدحوه وأثنوا على ما قام به من نصر السنة والرد على المبتدعة من المعتزلة وغيرهم.

أ - المراحل التي مر بها:

مر أبو الحسن الأشعري بأطوار ثلاثة في حياته الاعتقادية.

الطور الأول:

تكاد أن تجمع كل المصادر التي ترجمت للأشعري على أنه عاش طوره الأول في ظل المعتزلة والاعتزال وأنه بقي فيه ملازماً شيخه وزوج أمه الجبائي حتى بلغ أربعين سنة من عمره.

الطور الثاني:

بعد خروجه على المعتزلة، سلك طيق عبدالله بن سعيد بن كلاب البصري، وبدأ يرد على المعتزلة معتمداً على القوانين والقضايا التي قالها عبدالله بن كلاب، يقول ابن تيمية رحمه الله: وكان أبو الحسن الأشعري لما رجع من الاعتزال سلك طريق أبي محمد بن كلاب، وهذا الطور يمثله كتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، وكان ابن كلاب يرد على المعتزلة والجهمية ومن تبعهم بطريقة يميل فيها على مذهب أهل السنة والحديث، ولكن لما كثر جداله معهم ورده عليهم ومناظرته لهم بالطرق القاسية، سلم لهم أصولاًهم واضعوها، فمن هنا دخلت البدعة في طريقته، وكان ابن كلاب قد أحدث مذهباً جديداً، فيه ما يوافق اسلف وفيه ما يوافق المعتزلة والجهمية، وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله: كان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين:

فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها، والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا، فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتلعق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها، ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي وأبو الحسن الأشعري، وهذا الأصل الذي أحدثه ابن كلاب دفع وهذه الطريقة التي أحدثها ابن كلاب دفع الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السلف إلى أن يحذروا منه ومن أتباعه الكلابية، وهذه الطريقة التي أحدثها ابن كلاب البصري لم يسبقه إليه غيره، ووافقه عليها الأشعري وردَّ من خلالها على الجهمية والمعتزلة.

الطور الثالث:

مكث الأشعري زمناً على طريقة ابن كلاب يرد على المعتزلة وغيرهم من خلال ما اعتقده في هذه الطريقة، ولكن الله تعالى من عليه بالحق فنور بصيرته وذلك بالرجوع التام إلى مذهب أهل السنة والجماعة، والتزام طريقتهم، واتباع منهجهم ومسلكهم، وكان هذا هو الذي أراد أن يلقى الله تعالى عليه ، متبرئاً من المذاهب التي عاشها، وداعياً إلى طريقة السلف ومذهبهم، ومنتسباً إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وهذا الطور نظراً لأهميته في المجال الاعتقادي فقد أثبتناه له - بعد توفيق الله - بثلاثة وجوه:

الوجه الأول: أقوال العلماء:

لقد شهد كثير من العلماء والأئمة برجوع الأشعري الرجوع التام إلى مذهب السلف الصالح، وهؤلاء الأئمة ما قالوا هذه الشهادة إلى بعد أن سبروا حياته وعرفوا ما كان عليه وما استقر عليه.

ومن هؤلاء العلماء:

* شيخ الإسلام ابن تيمية.

* تلميذه الحافظ ابن القيم.

* الحافظ الذهبي.

* الحافظ ابن كثير، وقد قال رحمه الله: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال:

أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة.

الحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبع: وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام. وتأويل الصفات الخبرية، كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك.

الحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً.

* الشيخ نعمان الألوسي.

* الشيخ أبو المعالي محمود الألوسي.

* العلامة محب الدين الخطيب.

وقال رحمه الله في بيان أطوار الأشعري ورجوعه التام إلى مذهب السلف: أبو الحسن الأشعري علي بن إسماعيل من كبار أئمة الكلام في الإسلام، نشأ أول أمره على الاعتزال، وتتلمذ فيه على الجبائي.

ثم أيقظ الله بصيرته وهو في منتصف عمره وبداية نضجه، فأعلن رجوعه عن ضلالة الاعتزال، ومضى في هذا الطور نشيطاً يؤلف ويناظر ويلقي الدروس في الرد على التمعتزلة، سالكاً طريقاً وسطاً بين طريق الجدل والتأويل، وطريقة السلف، ثم محض طريقته وأخلصها لله بالرجوع الكامل إلى طريقة السلف في إثبات كل ما ثبت بالنص من أمور الغيب التي أوجب الله على عباده إخلاص الإيمان بها.

وكتب بذلك كتبه الأخيرة ومنها في أيدي الناس كتاب "الإبانة" وقد نص مترجموه على أنها آخر كتبه، وهذا ما أراد أن يلقى الله عليه، وكل ما خالف ذلك مما ينسب غليه، أو صارت تقول به الأشعرية، فإن الأشعري رجع عنه إلى ما في كتاب الإبانة وأمثله.

الوجه الثاني:

التقاؤه الحافظ زكريا الساجي: بعد خروجه من الاعتزال ومن التخلص من طريقة ابن كلاب لجأ إلى الأئمة من أهل الحديث ممن عرفوا بسلامه عقيدتهم وصفاء منهجهم ليأخذ منهم مقالة السلف وأصحاب الحديث، ومن أشهرهم الحافظ الثبت محدث البصرة زكريا الساجي، يقول ابن تيمية عن الأشعري: وأخذ عن زكريا الساجي أصول الحديث بالبصرة، ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى، وذلك آخر أمره، كما ذكره هو وأصحابه في ككتبهم، وقال الذهبي عندما ترجم للحافظ الساجي يقول: وعنه أخذ أبو الحسن الأشعري الأصولي تحرير مقالة أهل الحديث والسلف، وقال في مكان آخر عن الساجي: أخذ عنه أوب الحسن الأشعري هذا اللقاء مع المحدث الحافظ زكريا الساجي، وجعلوه نقطعة تحول كبيرة عند الأشعري: الإمامان: ابن القيم وابن كثير، وغيرهما.

الوجه الثالث:

تأليفه كتاب الإبانة وإثباته له:

إن آخر الكتب التي ألفها الأشعري رحمه الله هو كتاب الإبانة، وقد ذكر في هذا الكتاب انتسابه للإمام أحمد رحمه الله، والتزامه بعقيدة السلف الصالح، السلف الصالح، واتباع أئمة الحديث، وذكر بعد هذا عقيدة السلف الصالح في أمور الدين، ولقد أثبت هذا الكتاب الأشعري جمع كثير من الأئمة، من المتقدمين والمتأخرين، وأقرب العلماء زمناً بزمن الأشعري هو ابن النديم "ت 385ه" فقد ذكر في كتابه الفهرست ترجمة للأشعري وذكر جملة من كتبه التي ألفها، ومنها كتاب "التبيين عن أصول الدين" وجاء بعده ابن عساكر وانتصر للأشعري، وأثبت له كتاب " الإبانة" ونقل منها كثيراً في كتابه "التبيين" للإشادة بحسن عقيدة الأشعري.

قال ابن عساكر عن الأشعري: وتصانيفه بين أهل العلم مشهورة معروفة، وبالإجادة والإصابة للتحقيق عند المحققين موصوفة، ومن وقف على كتابه المسمى "الإبانة" عرف موضعه من العلم والديانة، ثم جاء ابن درباس "ت 639ه"، وألف كتاباً في الذب عن الأشعري وأثبت له كتاب الإبانة.

وقال: أما بعد. . فاعلموا معشر الإخوان وفقنا الله وإياكم للدين القويم وهدانا جميعاً للصراط المستقيم بأن كتاب "الإبانة عن أصول الديانة" الذي الفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعرين هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده، وبما كان يدين لله سبحانه وتعالى بعد رجوعه عن الاعتزال بمن الله ولطفه، وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه ، فقد رجع عنها، وتبرأ إلى الله سبحانه وتعالى منها. وروى وأثبت ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضين، وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، وأنه ما دل عليه كتاب اله وسنة رسوله، فهل يسع أن يقال: أنه رجع إلى غيره؟ فإلى ماذا يرجع تراه، يرجع عن كتاب الله وسنة نبي الله، خلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون، وأئمة الحديث الماضيين، وقد علم أنه مذهبهم ورواه عنهم. <

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد