;

تعقيدات التدخل الخارجي في أزمة دار فور 952

2008-10-30 03:35:43

عبدالله الدهمشي

إذا كانت أزمة دارفور بطبيعة نشأتها وواقع إدارتها شأنا سودانياً خالصاً بامتياز، فإن تعقيدات تاريخها الطويل مصنوعة من قبل قوى خارجية بصورة لا تقبل إنكار قوة التدخل الخارجي ولا التنكر لوقائع تحكمه في إدارة الأزمة ومساراتها.

ربما يبدو الوجه المأساوي للأزمة مثيراً للتعاطف الإنساني مع الإقليم من قبل المجتمع الدولي، لكن قيادة الحراك الدولي لهذا التعاطف تثير التساؤل عن تفضيل دارفور على الأكثر بشاعة في حجم ونوعية مآسي مأسي الإنسانية، ونقصد به العراق المحتل، ومع هذا لا بأس أن تكون مآسي دارفور محركاً للضمير الإنساني في المجتمع الدولي.

يعترف قائد قوات الأمم المتحدة في إقليم دارفور الجنرال ارتن أغواي بأن أخطاء المجتمع الدولي تسببت بإطالة النزاع في الإقليم، مؤكداً أن كثرة المصالح المرتبطة بالنزاع لا تسمح برؤية أفق للحل قريباً وإحلال السلام سريعاً، وسواءً كانت إطالة النزاع بأخطاء أو بقصد من التحرك الدولي في دارفور، فإن النتيجة واحدة من حيث تأكيداتها على الدور الخارجي في تعقيد مسارات الأزمة.

يمثل الإقليم موقعاً إستراتيجياً في جغرافيا السودان والقارة الأفريقية من حيث هو مركز جديد للنفط وموقع هام للتحكم في إمدادات الطاقة عبر المحيط الجغرافي، لذلك تتصارع فيه القوى الدولية الكبرى، ممثلة في الصين والولايات المتحدة وفرنسا، فهو الصراع الظاهر في مواقف هذه الدول بمجلس الأمن فيما يخص قراراته حول أزمة دارفور.

بلغ التدخل الخارجي ذروته باستخدام أحد أطرافه لمحكمة الجنايات الدولية في الصراع على النفوذ والمصالح بالسودان من بوابة دارفور، حين وجه المدعي العام في المحكمة قرار اتهام الرئيس عمر البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور، هذا القرار الذي جاء بناءاً على تفويض المحكمة من قبل مجلس الأمن في هذا الملف كشف عن استخدام سياسي لسيادة القانون وسلطات العدل في معارك الابتزاز الدولي وأوراق الضغط على الخصوم، وفيما يدل على هذا تبدو التحولات الراهنة في السياسة الدولية متحركة نحو التخلص من المحكمة في التعامل مع السودان.

تشير عجلة التوازن في النظام العالمي إلى احتمال تراجع الاستخدام السياسي للأمم المتحدة في تنفيذ استراتيجيات القوى الكبرى في المواقع الهامة جغرافياً لنفوذها ومصالحها في العالم، لأن تعدد القوى يحول دون التوافق على استخدام المنظمة الدولية لصالح إحداها كما كان سائداً في سنوات الهيمنة الأميركية المنفردة على العالم بعد نهاية الحرب الباردة.

وطبقاً لقاعدة مفاتيح التدخل الدولي في العالم يمثل السودان في موقعه الجغرافي أحد هذه المفاتيح المحددة للتدخل في القارة الأفريقية من قبل القوى الدولية عامة وفي القارة الأفريقية خاصة حيث وضعت الصين قدمها في مواقع الصراع على القارة، معززة بالقوة العسكرية والمصالح الاقتصادية ومنها موقعها في إقليم دارفور.

إن التدخل الخارجي في أزمة دارفور مستهدف بالمتغيرات المتصاعدة في السياسة الدولية والتي تشير إلى ميلاد نظام عالمي جديد يستبدل هيمنة القطبية الأحادية بتعددية القوى التي ستمثل التوازن الدولي الضامن للاستقرار في العلاقات الدولية في المرحلة القادمة حتى دورة تاريخية جديدة، هنا قد يكون إقليم دارفور على وعد بالخروج من دوامة الأزمة والدخول في مرحلة الاستقرار الدولي، أو الكمون للانبعاث بصورة أخرى في هذه المرحلة أو بعد انتهائها.

هذه الاحتمالات قد بدأ تشكلها من القرن الأفريقي أو من شواطئه تحديداً حيث القوة العسكرية الكثيفة والكبيرة في تلك الشواطئ لن تكتفي بمحاربة القرصنة بل ستمتد بمهامها نحو مساحة أوسع للأمن العالمي داخل القارة الأفريقية تمتد إلى البحيرات الكبرى وجنوب الصحراء، وفي القلب الأغلب منها السودان جميعاً أو السودان مقسماً في أقاليم أكثرها جاهزية دارفور.

هكذا تتعقد أزمات الأقطار العربية بالتدخل الخارجي وتنفتح بهذا التعقيدات على استراتيجيات القوى الدولية الكبرى للسيطرة على مناطق النفوذ والمصالح، لكن التغير في هذه القاعدة محتمل في حالة السودان الذي صنعته الأزمات الكبرى في تاريخه الحديث بصورة تؤهله ذاتياً للخروج من دواهة التدخل الخارجي وتعقيداته..؟؟

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد