;

شروط مواجهة القرصنة 822

2008-12-14 06:07:58

أحمد المرشد

فشل الصوماليون في ايجاد تسوية سياسية تخرج بلادهم من عنق الزجاجة، فعلى مدى 18 عاماً تقريباً غرقت الصومال في عالم الظلمات، رغم كم اتفاقيات السلام التي وقعها أمراء الحرب في هذا البلد الفقير ورعتها العديد من القوى الإفريقية والعربية ولكن من دون جدوى.

وما زاد الطين بلة مؤخراً، هو إعلان الأمم المتحدة فشلها في العثور على دولة تقود قوة حفظ السلام في الصومال، ناهيك عن حاجة الاتحاد الإفريقي إلى حوالي 200 مليون دولار لدعم عملياته في الصومال التي ينشر فيها حوالي 3400 جندي يساعدون فقط في حماية العاصمة مقديشو. ومن هنا، فالاتحاد الإفريقي في حاجة إلى المزيد من القوات على وجه السرعة وموارد أكثر لتمويل عملياته.

والمشكلة في الصومال مرشحة لمزيد من التدهور، في ظل إعلان إثيوبيا انسحاب الآلاف من جنودها الذين أرسلتهم لدعم الحكومة الانتقالية المدعومة من الولايات المتحدة والغرب. وهذا الإعلان في الوقت الحالي يثير الريبة حقاً، فإثيوبيا رفضت سحب قواتها من الصومال وفقاً لطلب الجامعة العربية وأصرت على التواجد هناك رغم الغضب الشعبي العارم. أما وأن تعلن إثيوبيا الآن سحب قواتها في ظل تردي الأوضاع الأمنية على السواحل الصومالية وتزايد عمليات القرصنة وخطف السفن، فهذا يعني تعمد إثيوبيا نشر الفوضى في الصومال.

الفوضى هذه في طريقها للتصاعد مع انتشار أعمال العنف، وبالتالي القرصنة - وهو الأهم - في طرق الملاحة المزدحمة قبالة السواحل الصومالية. وإذا كان الهدف الآن هو حماية السفن وطرق الملاحة البحرية من أعمال القرصنة التي ستكلف المجتمع الدولي الكثير في ظل أزمة اقتصادية ومالية طاحنة، فإن المطلوب على وجه السرعة جملة من الإجراءات لعل أهمها:

* سرعة القيام بتنسيق إقليمي ودولي، لأن دول الجوار ليست قادرة بمفردها على ردع أعمال القرصنة في منطقة خليج عدن نظراً لعدم توفر الإمكانات والعتاد العسكري البحري اللازم لردع القراصنة. فأن تصل عمليات القرصنة خلال الشهور المنصرمة من العام الحالي إلى حوالي مائة عملية، منها 17 عملية في الثلاثين يوماً الأخيرة، فهذا يدل على أن دول المنطقة فشلت في حماية طرق الملاحة وتوفير ممرات آمنة للسفن التجارية، الأمر الذي يهدد أمن هذه الدول ذاتها.

والأمر جد خطير وصعب، خاصة إذا علمنا أن 90% من تجارة العالم تمر عبر البحار، وهنا يتضح حجم المشكلة التي تواجهها بعض الدول المطلة على الخلجان وطرق الملاحة الرئيسية.

* ثاني الإجراءات المطلوبة لردع القراصنة - وليس انهاء الظاهرة كلياً لصعوبة هذا في وقت قصير - معالجة الأزمة من جذورها، ونعني حل الأزمة الصومالية وإحلال السلام هناك. فغياب الدولة الصومالية يشجع أعمال القرصنة، إذ لم تعد الصومال بالنسبة للعالم والمنطقة كما كانت في السابق تلك الدولة الصغيرة الواقعة في شرق إفريقيا المطلة على ضفاف خليج عدن والمحيط الهندي، فهي تحولت إلى دولة تعيش حرباً أهلية دامية جعلتها مثلاً لكل حالة مستعصية ميئوس منها. فبعد تصاعد حوادث القرصنة قبالة السواحل الصومالية التي تمثل موقعاً استراتيجياً حيوياً وتهديداً لحركة التجارة العالمية عبر قناة السويس، ثبت للعالم كله وأيضاً لدول المنطقة، أنه لا يمكن لأحد أن ينعم بالسلام من دون أن يحل السلام بالصومال.

* ثالث الإجراءات هو تسكين هواجس الدول الإقليمية بشأن نشر قوات أجنبية تشبه ما حدث في العراق من احتلال، وأن يكون التدخل أياً كان نوعه وفق الشرعية الدولية، وعلى أن يحترم سيادة الدول سواء أراضيها أو أجوائها أو مياهها الإقليمية. وعلى أن يكون أيضاً وفق قواعد متفق عليها سلفاً، مثل تحديد عمليات الاشتباك مع القراصنة، وأن يكون التعامل العسكري محدداً ومتفقاً عليه بين جميع الأطراف. مع الأخذ في الاعتبار أن التدخل الدولي في صورة تولي دولة واحدة مسؤولية القضاء على ظاهرة القرصنة، أو اجتماع أكثر من دولة في صورة تحالف دولي للقيام بهذه المسؤولية، لن يكون عملية سهلة. فأية معركة لن تكون في البحر فقط، حيث يستولي القراصنة على جيوب برية وبحرية كثيرة، ومن الصعب الدخول إليها أو اقتحامها، وستكون أي عملية عسكرية في هذه المناطق محفوفة بالمخاطر الكثيرة. وإذا فشل التحالف الدولي المرتقب تشكيله لتولي هذه المهمة الصعبة في إنهاء العملية بنجاح، سيضطر للانسحاب جاراً معه أذيال الفشل، بما سيعزز قوة القراصنة. ومن ثم، فإن المهمة تتطلب تعاملاً حكيماً، لأن هناك اطرافاً خفية تمول القراصنة وتمدهم بالعتاد والمعدات وأدوات المراقبة والاتصالات باهظة التكاليف.

المطلوب الآن من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية سرعة العمل من أجل التوصل إلى سلام دائم في الصومال تعود معه مظاهر الدولة لتقوم بواجباتها هناك، وتشكيل حكومة قوية تفرض سلطتها على الجميع. فإذا عاد الصومال بلداً مرة أخرى، فبالتأكيد ستختفي التساؤلات المثارة بشأن التعامل مع ظاهرة القرصنة. والأهم هو أن يعود الصومال أولاً بلداً ذا سيادة، مع تعهد دولي بتمويل كل أنشطة هذه العودة إذ ليس ممكناً أن ينعم العالم بالسلام وبه دولة مهددة بالضياع والتشرد.

إذاً المشكلة تكمن في كيفية إحياء الصومال كدولة وبث الحياة فيها من جديد قبل أن نتحدث عن مخاطر القرصنة وسبل مواجهتها.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد