;

صلاح الدين الأيوبي.. وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس .. الحلقة التاسعة والثمانون 806

2008-12-14 06:13:14

المؤلف/ علي محمد الصلابي

6- العدل:

إن العدل أساس الملك ولهذا أمر الله رسوله القيام به فقال تعالى: "وأمرت لأعدل بينكم" كما قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله" وقال تعالى: "كونوا قوامين لله شهداء بالقسط" وقال تعالى: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" والعدل في الرعية وإيصال الحقوق إلى أهلها وإنصاف المظلوم يبعث في الأمة العزة والكرامة ويولد جيلاً محارباً وأمة تحررت إرادتها بدفع الظلم عنها، رعية تحب حكامها وتطيعهم لأنهم أقاموا العدل على أنفسهم وأقاموا العدل على غيرهم وأما الظلم فهو ظلمات في الدنيا والآخرة، وهو يؤذن بزوال الدول ولهذا حرمه الله على نفسه وجعله محرماً بين خلقه فقال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".

وقال تعالى: "احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" وقال تعالى: "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا".

ومن الحق أن نسجل أن الدولة النورية في عهد نور الدين زنكي والدولة الأيوبية في عهد صلاح الدين الأيوبي، قد سادها العدل في الرعية، وتم إيصال حقوق الناس إليهم، فنشطوا إلى الجهاد والدفاع عن دولتهم.

قال القاضي ابن شداد عن صلاح الدين: لقد كان يجلس للعدل في كل يوم اثنين وخميس في مجلس عام (يحضره الفقهاء والقضاة والعلماء ويفتح الباب للمتحاكمين حتى يصل إليه كل وأحد، من كبير وصغير، وعجوز وهرمة وشيخ كبير، وكان يفعل ذلك سفراً وحضراً على أنه كان في جميع أزمانه قابلاً لجميع ما يعرض عليه من القصص كاشفاً لما ينتهي إليه من المظالم، وكان يجمع القصص في كل يوم، ويفتح باب العدل ولم يرد قاصداً للحوادث والحكومات وكان يجلس مع الكاتب ساعة إما في الليل أو في النهار، ويوقع على كل قصة بما يطلق الله على قلبه، ولم يرد قاصداً أبداً ولا منتحلاً ولا طالب حاجة، وما استغاث إليه أحد إلا وقف وسمع قضيته وكشف ظلامته وأخذ بقصته.

لقد قام صلاح الدين بالعدل في دولته وترك لنا وقائع ملموسة وتطبيقات عملية مع الأمراء والرعية في المحافظة على حقوق الأفراد وحقوق الدولة، قامت هذه التطبيقات على العدل والإنصاف، وأرست هذه القاعدة: العدل أساس الحكم والظلم يؤذن بزوال الدولة، كما أن العدل الذي أقامه صلاح الدين في دولته كان من أسباب انتصاره في حطين.

7- جيل مقاتل في سبيل الله:

لم يظهر جيل صلاح الدين من فراغ وإنما سبقته جهود علمية وتربوية على أصول منهج أهل السنة والجماعة وأصبح ذلك الجيل الذي أكرمه الله بالنصر في حطين تنطبق فيه كثيراً من صفات الطائفة المنصورة والتي من أهمها:

أ - أنها على الحق:

وللطائفة المنصورة من ملازمة الحق واتباعه ما ليس لسائر المسلمين، وهي إنما استحقت الذكر والنصر، لتمسكها بالحق الكامل حين أعرض عنه الأكثرون، ومن الجوانب البارزة في الحق الذي استمسكت به حتى صارت طائفة منصورة ما يلي:

- الاستقامة في الاعتقاد وملازمة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ومجانبة البدع وأهلها، فهم أصحاب السنة، وصلاح الدين والمسلمون الذين معه هم الذين قضوا على الدولة الفاطمية الشيعية الاسماعيلية.

- الاستقامة في الهدي والسلوك الظاهر على المنهج النبوي الموروث عن الصحابة رضي الله عنهم والسلامة من أسباب الفسق والريبة والشهوة المحرمة.

- الاستقامة على الجهاد بالنفس والمال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحق على العاملين.

- الاستقامة في الحرص على توفير أسباب النصر المادية والمعنوية واستجماع المقومات التي يستنزل المؤمنون بها نصر الله، ولا شك أنهم إنما ينتصرون لملازمتهم للجادة المستقيمة من جهة، ولبذلهم الجهد الواجب في تحصيل أسباب النصر من جهة ثانية، وهذا ما قام به صلاح الدين والقادة الذين معه، وبذل الجهد في تحصيل تلك الأسباب هو في الحقيقة جزء من الاستقامة على الشريعة، إذ الشريعة تأمر بفعل الأسباب واتخاذ الوسائل المادية الممكنة، من الصناعة، والسلاح والتخطيط والإدارة ولا يتوهم أن النصر يجيء بدونها لأن تحقيق ذلك هو مقتضيات الاستقامة على أمر الله.

ب - أنها قائمة بأمر الله:

وهذه الخصيصة بارزة في الوصف النبوي لهذه الطائفة، فهم أمة قائمة بأمر الله، واسمهم "الطائفة المنصورة" فقد تميز صلاح الدين بحمل راية الدعوة إلى الله وإلى دينه وشرعه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والقيام على نشر السنة بين الناس بكل وسيلة ممكنة مشروعة ووظف إمكانات الدولة لذلك ولدفع الشبهات عن منهج أهل السنة، والرد على مخالفيه.

- كما كانت دولة صلاح الدين قائمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باليد واللسان والقلب معارضة لكل انحراف يقع بين المسلمين أياً كان نوعه: سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو علمياً، أو اعتقادياً.

ج- أنها تقوم بواجب الجهاد في سبيل الله:

والطائفة المنصورة، جاءت الأحاديث النبوية في وصفهم بأنهم "يقاتلون على الحق أو يقاتلون على أمر الله" وكان صلاح الدين وجيشه قاموا بالجهاد الشرعي في سبيل الله وقتال أعداء الله من الكفار وغيرهم.

د- أنها صابرة:

فقد خص الله الطائفة المنصورة بالصبر، وقد رأيت وسوف ترى بإذن الله كيف تسلح صلاح الدين وجنوده بالصبر الجميل في جهادهم ولم تستطع القوة الظالمة أن تخرجهم عن منهجهم وهدفهم الذي يسعون إليه، ولهذا وصف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هؤلاء القوم بأنهم: لا يضرهم من كذبهم، ولا من خالفهم، ولا يبالون من خالفهم.

وهذه التعبيرات النبوية الكريمة تشير إلى هؤلاء العاملين الذين عرفوا أهدافهم وسلكوا طريقهم، فلم ينظروا إلى خلاف المخالفين وعوائق المخذلين ولا تكذيب الأعداء الحاقدين، وكانوا يواجهون كل المتاعب بصبر وثبات ويقين.

فهذه الصفات التي جاءت في الأحاديث النبوية لوصف الطائفة المنصورة قد انطبقت على جيل صلاح الدين الأيوبي، وكان صلاح الدين يوصي جنوده بالوصايا النافعة فقد قال رحمه الله ذات يوم: اعلموا أنكم جند الإسلام اليوم ومنعته وأنتم تعلمون أن دماء المسلمين وأموالهم وذراريهم في ذممكن معلقة والله عز وجل سائلكم يوم القيامة عنهم، وأن هذا العدو ليس له من المسلمين من يلقاه عن البلاد والعباد غيركم، فإن توليتم - والعياذ بالله - طوى البلاد وأهلك العباد، وأخذ الأموال والأطفال والنساء وعبد الصليب في المساجد وعزل القرآن منها والصلاة وكان ذلك كله في ذممكم، فإنكم أنتم الذين تصديتم لهذا كله، وأكلتم أموال المسلمين لتدفعوا عنهم عدوهم وتنصروا ضعيفهم، فالمسلمون في سائر البلاد متعلقون بكم والسلام.

8- الاستعانة بالعلماء واستشارتهم في الحرب والإدارة:

كان صلاح الدين يلازم العلماء، ويجالسهم ويستشيرهم في الحروب والإدارة ويستمع إلى نصائحهم ويقدرها، وكان يعتمد على بعضهم في إدارة ممالكه وكان أكثرهم مرافقة له في السراء والضراء وفي حله وترحاله القاضي الفاضل، تأمل حديثه وتحليله لأهم أسباب النصر بعد توفيق الله تعالى حين يقول: ما فتحت البلاد بالعسكر، وإنما فتحها بكلام الفاضل، فالقاضي الفاضل كان يقدم له الرأي الحصيف، والقول السديد، والقرار الحكيم، وكان يصدقه في الرأي والحرب والمكيدة والسياسة والحكم، وقال ابن كثير: وكان القاضي الفاضل بمصر يدبر الممالك بها ويجهز إلى السلطان ما يحتاج إليه من الأموال، وعمل الأسطول والكتب السلطانية.

وقد لاقى صلاح الدين التأييد التام من العلماء والفقهاء، وكان يستشيرهم ويأخذ بآرائهم، وبعد انتصاره الكبير في حطين رأى صلاح الدين استكمال الجهاد ضد الصليبيين واستعادة المدن الشامية منهم مرة أخرى، وقد شارك مجموعة من العلماء في هذه الفتوحات يأتي ذكرهم في حينه بإذن الله.

فقد استعان صلاح الدين بالعلماء والفقهاء على إعداد الأمة جهادياً مبيناً لهم غاية الجهاد في الإسلام وضرورة الالتزام بها والعمل لها وقد ساهم العلماء مساهمة جوهرية في رفع الروح المعنوية القتالية في حطين وغيرها.

9- حسن الصلة بالله:

كان صلاح الدين كثير العبادة والدعاء والرجاء في نصر الله وعونه، وكان يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحضهم على الطاعة والعبادة ويتقدمهم في ذلك ويهيء لهم الفرصة لتزكية النفوس والانشغال بتلاوة القرآن وتدبره وحفظه، وكان حريصاً على صلاة القيام وكثرة الذكر، ويحض أمراءه وجنده على ذلك، فكان رحمه الله يجلس إلى العلماء ويقرأ عليهم القرآن، ويستمع منهم إلى تفسيره، ويجلس إلى أهل الحديث يتفقه عليهم فقه الحديث ويستمع إلى الفقهاء والعلماء، وكان يحضر العلماء والفقهاء والمفسرين ليعلموا الجيش كتاب ربهم ويفقهوهم في دينهم ويوثقوا صلتهم بربهم.

وكان رحمه الله يأمر جنوده في الخيام أن يقوموا في الليل وأن يذكروا الله ذكراً كثيراً، وكان يتفقد خيام الجند فإذا وجد خيمة غفل أهلها عن القيام والذكر وتلاوة القرآن أيقظهم وذكرهم بضرورة الإكثار من ذكر الله وعبادته وطاعته وهذه الأمور من أهم عوامل النصر على العدو.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد