زياد أبو شاويش
يصادف اليوم الأربعاء العاشر من كانون أول (ديسمبر) الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جسد خلاصة التطور الإنساني والرفعة الوجدانية للبشر على سطح المعمورة ومستخلصاً العبر والدروس من تاريخ طويل وحافل بالمظالم الجارحة للضمير الانساني وخاصة بعيد الحرب العالمية الثانية وما رافقها من ويلات ونتائج كارثية لا زال بعضها يقض مضاجع كل الباحثين عن العدل والمساواة والكرامة الإنسانية.
لقد جاء هذا الإعلان ليشكل الأساس القانوني الدولي لكل التشريعات المتعلقة بهذا الجانب والمرجعية الفقهية لكل الاتفاقات الدولية التي زادت عن ثمانين اتفاقية موثقة في الأمم المتحدة وحيث وقعت عليها كل بلدان العالم بواقع إتفاقية واحدة أو أكثر لكل بلد وباتت ملزمة لها في هذا المجال الحساس والضروري لتقدم البشرية والحفاظ على السلم الدولي مثل السلم الاجتماعي وغيره.
وبقراءة متفحصة لهذا الاعلان سنجد كل ما يمكن استخدامه للحفاظ على حق الإنسان وكرامته وإلزام السلطات بكل أشكالها وأنواعها احترام هذا الحق ورعايته دون تمييز، وأجد هناك فائدة من إيراد نص المادة الثانية من هذا الاعلان حيث تقول : " لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود ".
وربطاً بعنوان مقالنا حول انتهاكات إسرائيل الصارخة لحقوق الشعب الفلسطيني والعربي الواقع تحت سيطرتها المباشرة كدولة محتلة سواء في فلسطين أو الجولان أو لبنان وانسجاماً مع نص المادة الثانية وتظهيراً لمعناها لابد من إيراد المادة الثالثة نصاً حتى يكتمل المعنى المراد إيصاله في هذا السياق حيث تنص هذه المادة على : " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه ". فهل يحصل المواطن العربي في ظل الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية على هذه الحقوق؟. إن نظرة سريعة على الممارسات الإسرائيلية سواء في فلسطين أو الجولان أو لبنان أو حتى داخل الخط الأخضر تظهر بجلاء كماً هائلاً من الانتهاكات اللاإنسانية لهذه الحقوق بالذات ناهيك عن مخالفة هذه الممارسات لكل المواد الأخرى الواردة في هذا الإعلان بعد ستين عاماً على إقراره وثيقة ملزمة للدول والجماعات والأفراد على المستوى الكوني وهو كما نرى عمر النكبة الفلسطينية التي كانت قد بدأت للتو في بلادنا. إسرائيل تقول ليس لكل فرد الحق في الحياة وهو ما يناقض الحق الأساسي الأول من حقوق الإنسان بدليل أنها تقتل بدون تردد الإنسان العربي لمجرد أنه عربي وهناك عشرات المذابح والجرائم الجماعية والفردية التي ارتكبتها إسرائيل بحق المواطن العربي سواء كان فلسطينياً أو لبنانياً أو سورياً بدون أي مبرر أو مراعاة لأبسط حقوق الإنسان ثم تقوم كعادتها في التلفيق والكذب بإدعاء وقوع تقديرات خاطئة أو معطيات أمنية مزيفة لتبرير الجرائم والتنصل من تبعاتها الأخلاقية والقانونية حيث لا يعفيها ذلك من العقوبة لولا الحماية غير المشروعة التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية لها، ونحن هنا لا نتحدث عن شهداء المقاومة من العسكريين أو حتى المتعاونين معها بل نتحدث عن مواطنين ليس لهم أي صلة بالمجهود الحربي، وعن نساء وأطفال وشيوخ، إلى آخر قائمة ضحايا انتهاك حقوق الإنسان على يد السلطات الإسرائيلية وبقرارات حكومية معلنة.
أما الحق في الحرية وهو أوضح الحقوق وأكثرها طلباً من جانب كل البشر فإن وجود الاحتلال في حد ذاته يمثل النقيض الأبشع والصارخ لهذا الحق خصوصاً في ظل الدعاية الأمريكية الممجوجة حول هذا العنوان باستمرار حين يتعلق الأمر بمناهضي سياستها ومقاومي مشاريعها الاستعمارية وكذلك بمن يقاوم العدوان الصهيوني ويرفض الاحتلال ويتصدى له سياسياً أو عسكرياً. لعل كل إجراءات إسرائيل التعسفية فيما يخص إغلاق الطرقات والحصار والمداهمات والاعتقالات العشوائية والحجز الإداري وغيره من الممارسات الكابحة للحرية تمثل الخروج الأكثر فجاجة عن شرعة حقوق الإنسان في هذا الحق على سطح الكرة الأرضية، وهي نموذج بشع من مخلفات العهد الاستعماري البغيض الذي أفل وتهاوى منذ سنوات طويلة.
أما السلامة الشخصية فلا مكان لها في عقل الاحتلال أو سلوكه. إن من يغتال الناس الأبرياء ويهدد حياتهم عبر منع أسباب الحياة عنهم كالدواء والكهرباء والغذاء كما يحدث اليوم في قطاع غزة والخليل وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية وامتناعها عن تنظيف مخلفاتها من القنابل العنقودية والألغام الموقوتة في لبنان يعبر عن استخفاف كامل بالمواثيق الدولية والمعاهدات الملزمة في هذا الشأن وعلى رأسها ضمان السلامة الشخصية للواقعين تحت الاحتلال كما هو وارد في نص المادة الثالثة من مواد حقوق الإنسان وعشرات الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في زمن الحرب وفي ظل الاحتلال.
في الذكرى الستين لليوم العالمي لحقوق الإنسان وبعد أن بلغت البشرية سن الرشد ونمو الضمير الجمعي للجنس البشري ونضوجه، وفهم العالم خطورة انتهاك حقوق الإنسان وتبعاته الخطيرة على المجتمعات كالدول وعلى الاقتصاد كالسياسة والسلم الدوليين فإن بقاء الصمت الدولي أو بالأحرى بعض الدول النافذة عن ممارسات إسرائيل وانتهاكاتها لحقوق الإنسان يشكل وصمة عار في جبين الإنسانية وانتكاسة كبيرة وفاضحة لكل ما مثلته وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قيم كبرى، وعلى هذه الدول مراجعة مواقفها الآن.<
Zead51@hotmail.com