المؤلف/ علي محمد الصلابي
10- اللجوء إلى الله بعد الإعداد:
ومن أسباب النصر أنه كان بعد الأخذ بالأسباب يلجأ إلى الله تبارك وتعالى يطلب منه المد والعون، وكان رحمه الله كثير الدعاء واللجوء إلى الله في الملمات وكان في دعائه مخلصاً متضرعاً.
قال القاضي العالم المصاحب له في أسفاره وجهاده عن دعائه وحاله في الدعاء: كان يتصدق ويخفي صدقته قبل أن يناجي ربه وهو ساجد فيقول: إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية من نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل، ورأيته ساجداً ودموعه تتقاطر على شيبته ثم على سجادته ولا أسمع ما يقول، فسرعان ما يستجيب الله دعاءه ويجعل أمر الصليبيين في اضطراب ويعودون شر مآب بالهزيمة من رب الأرباب، نعم إنه التوكل على الله حق توكله، والدعاء من سويداء القلب إلى ربه وهو القائل سبحانه وتعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب" [الطلاق: 2-3"، وقال تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا" [الطلاق: 3]، وقال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" [البقرة: 186]، وقال تعالى: "وقال ربكم ادعوني استجب لكم" [غافر: 60].
11- نجاح العمل الاستخباراتي لصلاح الدين:
استطاع صلاح الدين أن يخترق الصليبيين استخباراتياً، فقبيل معركة حطين تمكن صلاح الدين من استمالة زوجة أمير أنطاكية بوهيمند الثالث السيد سيبل، فكانت لها اتصالات سرية مع صلاح الدين الأيوبي وكانت تطلعه على خطط الصليبيين وتحركاتهم أولاً بأول، وذلك في فجر يوم حطين، ويؤكد المؤرخ ابن الأثير هذه الحقيقة، فيقول أن أميرة أنطاكية كانات تراسل صلاح الدين وتهاديه وتعلمه كثيراً من الأحوال التي يؤثرها علمها.
أما أبو شامة فيقول: وكانت امرأة برنس أنطاكية وتعرف مدام سيبيلا في موالاة السلطان، عيناً له على العدو، وتهاديه وتناصحه، وتطلعه على أسرارهم والسلطان يكرمها لذلك ويهدي إليها أنفس الهدايا، إن من أسباب الانتصار في حطين إعطاء هذا الأمر حقه من الاهتمام وجنب صلاح الدين المفاجآت العدوانية من الصليبيين، وقد كتب صن تزو، مشيراً لأهمية ذلك: إذا عرفت نفسك ولم تعرف العدو فإنك سوف تواجه الهزيمة في كل معركة، وقد انعكست عبقرية صلاح الدين في إيجاد شبكة اتصالات ومخابرات متينة ضمن صفوف الصليبيين بحيث كانت أخبارهم وتحركاتهم تصل إليه بسرعة وباستمرار.
12- الأسباب التي تعود إلى الصليبيين:
كان الصليبيون منقسمين على أنفسهم في هذه المعركة، فبينما يرى القونص صاحب طرابلس عدم القتال في المكان الذي اختاره صلاح الدين ينبري له أرناط صاحب مملكة الكرك بالاتهام بالجبن والتواطؤ مع المسلمين، والدعاية لهم بقوتهم ويتهمه بأنه يلاين المسلمين لأن زوجته حاصرها صلاح الدين والمسلمون في قلعة طبرية، ولهذا نجده ما إن وجد فرصة للهروب هرب ومن معه من أرض المعركة وتركهم في أصعب ساعات القتال، كما ترك زوجه في هذا الوضع الحرج.
لقد وقعوا في الحيلة التي وضعها صلاح الدين عن غباء وعلم بها، وقد نبههم إليها قونص طرابلس.
الروح المعنوية التي انهارت من حرب الاستنزاف وفي بداية المعركة والمعارك السابقة التي وجدوا أنفسهم أمام المسلمين، أقوياء الشكيمة لا قدرة لهم على دفع الهزيمة والأذى.
فسق هؤلاء الصليبيين وفجورهم وانتشار الدعارة فيهم، وأن قسماً كبيراً منهم جاء للنهب والسلب والسفك ظلماً إنهم لا أخلاق لهم، والنصر منهم بعيد على المؤمنين الموحدين المجاهدين.
وفي هذا يقول جوستاف لوبون في كتابه: "حضارة العرب": ومما يلفت النظر هؤلاء الغزاة، لا أخلاق لهم وليس عندهم قيم، بل كانوا فجرة أشراراً منحلين فاسقين، وهؤلاء أعداء الحضارة وقتلتها، إذ لا يرى منهم في أرض الميعاد غير الزنادقة والملحدين واللصوص والزناة والقتلة والخائنين والمهرجين والرهبان والدعار والراهبات العواهر.
13- رأي أبي الحسن الندوي في سر انتصار صلاح الدين:
ألقى الشيخ الندوي كلمة في رابطة العالم الإسلامي جاء فيها:. . . إن الحل الوحيد لقضية فلسطين أن يبرز صلاح الدين على مسرح القضية الفلسطينية وعلى مسرح الجهاد الإسلامي مرة ثانية.
ماذا كان سر انتصار صلاح الدين الايوبي الانتصار الباهر الذي حير العالم، وغير مجرى التاريخ؟ إنما السر أنه كان مسلماً مؤمناً محمدياً لا يعرف غير لغة القرآن، ولا يعرف غير لغة الإيمان، ولا يعرف غير لغة الجنان والمسلمون ما زالوا ولا يزالون، إن المسلمين إلى هذا الوقت وإن كانت المادية الرعناء، والتربية العصرية قد فعلتا فعلتهما فهم لا يفهمون غير لغة القرآن، إن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومهما تعددت لغاتهم، ومهما فاق ذكاؤهم، ومهما فاقت ألمعيتهم وعبقريتهم إلى الآن لا يفهمون إلا لغة محمد عليه الصلاة والسلام الذي آمنوا به كنبي خالد وكرافع علم الجهاد المقدس، إنهم لا يفهمون غير لغة القرآن، خاطبوا المسلمين بلغة القرآن أيها الإخوان لا بلغة السياسة، أثيروا فيهم الحنان، والإيمان، بكلمة الجهاد، بكلمة الحنين إلى الشهادة، إنهم لا يزالون يحسنون فهم هذه اللغة، إنما كان سر سيطرة صلاح الدين على القلوب والأرواح في أنه فهم هذا السر، إن المسلمين لا يندفعون إلا بدافع الجهاد، فجمع تحت رايته الإيمانية أشتاتاً من القيادات، وضروباً وأنواعاً من الشعوب، واستطاع أن يوحد كلمة العالم الإسلامي الممزق المتشتت المنقسم على نفسه، وكيف استطاع أن يجمع هذا العالم المترامي الذي تعددت عناصره وتعددت ثقافاته وتعددت مذاهبه الفقهية؟ كيف استطاع أن يوحد العالم الإسلامي في هذه الفترة الحالكة العصيبة تحت راية محمد عليه الصلاة والسلام؟ لم يرفع راية القومية العربي، اسمحوا لي أن أقول: أنا هندي الأصل، أنا هندي الثقافة، أنا رجل ولدت ونشأت في الهند ولكن أؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام وأؤمن بالقرآن، إن هناك قلوباً تعد بالملايين تهفو وتصبوا إليكم، وتستهين في سبيلكم بأجسامها وحياتها وسلامتها، إن مذبحة كبيرة وقعت في الهند في أحمد آباد في مدة قريبة، وماذا كان السبب؟ ذلك لأجل التجمع الإسلامي الكبير الذي حصل تأييداً لقضية فلسطين، إنما وقعت هذه المجزرة ووقع هذا الاضطراب الطائفي للغة العرب، تجمعوا هذا التجمع الخالد التاريخي ليدافعوا عن قضية فلسطين، وذلك برهان ساطع على أن هنالك قلوباً مخلصة لا يعرف مدى إخلاصها إلا الله تبارك وتعالى، قلوب مؤمنة صادقة لا تعرف لغة السياسة، ولا تعرف لغة اللياقة، إنما تعرف الإيمان، إنما تعرف الحنان، إنما تعرف لغة القرآن، فإنما تملكون ثروة لا تملكها أميركا ولا تملكها روسيا، تلك ثروة الإيمان، تلك ثروة الإيمان الدافق، إن هذه الثروة موجودة ولكنها تحتاج إلى إثارة، تحتاج إلى تحريك، تحريك صادق مؤمن.
رابعاً: ردود أفعال معركة حطين:
1- فرحة القاضي الفاضل بنصر حطين:
كان القاضي الفاضل غائباً عن نصر حطين بدمشق، فلما بلغته كتب إلى السلطان: ليهن المولى أن الله قد أقام به الدين القيم، وأنه كما قيل: أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، وأنه قد أقام به الدين القيم، وأنه قد أسبغ عليه النعمتين: الباطنة والظاهرة، وأورثه الملكين: ملك الدنيا وملك الآخرة.
كتب المملوك هذه الخدمة، والرؤوس إلى الآن لم ترفع من سجودها، والدموع لم تمسح من خدودها وكلما فكر المملوك أن البيع تعود وهي مساجد، والمكان الذي يقال فيه: إن الله ثالث ثلاثة يقال اليوم فيه: إنه واحد جدد لله شكراً تارة يفيض من لسانه، وتارة يفيض من جفنه.
5- رؤى عجيبة:
كانت والدة السلطان صلاح الدين تخبر أنها أتيت في نومها وهي حامل بالسلطان، فقيل لها: إن في بطنك سيفاً من سيوف الله تعالى.
6- فتوحات الساحل قبل فتح القدس:
بعد أن من الله على صلاح الدين الأيوبي بالنصر المظفر على الصليبيين في معركة حطين الخالدة، والتي كانت بمثابة "مفتاح الفتوح الإسلامية" في المنطقة أراد تتويج جهاده العظيم بتحرير المدينة المقدسة وطرد الصليبيين منها، إلا أنه لم يتوجه نحو مدينة بيت المقدس مباشرة، وإنما اختار التوجه نحو الساحل لفتح المدن والحصون والقلاع الصليبية المنتشرة هناك وذلك لعدة أسباب منها:
أ- أن قيامه بالهجوم مباشرة على المدينة المقدسة سيؤدي إلى استنفار كافة القوات الصليبية في المنطقة، فتجتمع في حربها ضده مما قد يصعب ويؤخر عملية التحرير.
ب- أن فتح المدينة من قبل صلاح الدين قد يحدث قلقاً شديداً لدى العالم الغربي الذي ربما يؤدي إلى اندفاعه بكل قوة لمحاربته.
ج كذلك لعلمه بقوة التحصين التي فرضها الصليبيون على هذه المدينة داخل الأسوار وخارجها.
د- أراد بتوجهه نحو مدن الساحل أن يحرم الصليبيين من قواعدهم البحرية التي تربطهم بالعالم الخارجي وبخاصة الغرب الأوروبي فيمسوا محصورين داخل بلاد الشام.
ه كما أنه أراد أيضاً تسهيل الاتصال البحري السريع بين موانئه البحرية الموجودة على الساحل المصري وبين تلك الموانئ المنتشرة في الساحل الشامي.
لذلك كله قام صلاح الدين بالتوجه إلى المواقع الصليبية المنتشرة على الساحل ضمن خطة تكفل استنزاف قواتهم وتمنع وصول الإمدادات إليهم من أوروبا. <