ممدوح طه
ما كشفت عنه التصريحات العنصرية التوسعية ل «تسيبى ليفنى» وزيرة الخارجية الحالية، والطامحة لخوض الانتخابات الإسرائيلية عن حزب «كاديما» في مواجهة مرشح الليكود الأكثر صهيونية وعنصرية «بنيامين نتانياهو» لرئاسة الحكومة الصهيونية المقبلة، خطيرة، بل خطيرة جدا. .
إذ تكشف بلا غموض عن البرامج الانتخابية التي لا تقل عنصرية وصهيونية لمن يوصفون ب «الحمائم» في إسرائيل والذين يخادعون العرب بدعاوى السلام، عمن يوصفون بالصقور الذين يحاولون فرض مشاريعهم الاستعمارية بعدوانية الحروب. . وإذا كان الكلام عن تهجير العرب الفلسطينيين من فلسطين المحتلة إلى «الدولة الفلسطينية» الموهومة والمكونة من الضفة المحتلة والقطاع المحاصر، بدأ يظهر إلى العلن بهذه الفجاجة من معسكر «الحمائم». . فماذا سننتظر من معسكر «الصقور»؟!
إن كلمات «ليفنى» عن أن حل الدولتين في «إسرائيل اليهودية» و«الفلسطينية غير اليهودية» الذي يقيم الدول بالتطهير العرقي والتهجير البشري القسري بالإرهاب، على أساس التمييز الديني والعنصرية الدينية بدلا من «المواطنة»، وتلويحها بأن على عرب فلسطين المحتلة أن يستعدوا للموجة الثالثة من التهجير القسري من أرضهم وديارهم، هو أمر ترفضه المواثيق الدولية ويرفضه العالم المتحضر، بل يشكل جرائم ضد الإنسانية!
إسرائيل التي تسمى نفسها «دولة يهودية» وتريد أن تفرض على العرب الاعتراف بذلك، هي شاهد زور على الديانة اليهودية ورسالة التوراة السماوية التي نؤمن بها ونعترف بها كمسلمين، والتي لا يمكن أن تأمر بالعدوان والإرهاب والعنصرية أو باغتصاب أوطان الشعوب غير اليهودية، بينما أتباع هذا الدين لا يعترفون بالدين السماوي المسيحي ورسالة الإنجيل السماوية، ولا بالدين الإسلامي ورسالة القرآن السماوية!
والمشكلة الحقيقية في فلسطين وفي القدس بالذات، أنها أرض المقدسات الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية، ولا ينبغي لأتباع دين واحد، كما يريد الصهاينة، السيطرة على الأرض والمقدسات جميعا بما يحرم أتباع الرسالات السماوية الأخرى من حقوقهم الدينية فضلا عن حقوقهم الوطنية كمواطنين في أرضهم وديارهم وحقوقهم السياسية.
ومن هنا فلا يكون حل عادل في فلسطين إلا بدولة ديمقراطية تضم في وطن يضم جميع المواطنين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين واليهود، بحقوق دينية وسياسية واقتصادية وثقافية متساوية في دولة للحق والقانون، وبدون ذلك فلابد أن يستمر الصراع وتبقى القضية بغير حل، سواء بمخاض الحروب أو بدعاوى السلام.
والغريب أن الدول العظمى التي تشكل مجلس الأمن، وحتى المسيحية منها بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ذات المعايير المزدوجة والمصابة بمرض «الإسلاموفوبيا» التي تصدع رؤوسنا بالكلام عن الحرية الدينية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة وحقوق الإنسان ومناهضة العنصرية والتمييز الديني أو السياسي، تساند «يهودية الدولة» العنصرية في إسرائيل وتحاصر «إسلامية الحكومة» الديمقراطية في فلسطين، وتناهض بل وتحارب إسلامية الحكم في الدولة التركية والباكستانية والصومالية والأفغانية والإيرانية وغيرها!
وأخيرا. . هذه التصريحات الخطيرة تشكل جرس إنذار قويا للغارقين في أوهام إمكانية قيام سلام حقيقي مع كيان عدواني استيطاني توسعي لا يريد السلام بل فرض الاستسلام، ويسعى عبر المراحل المتوالية بتهديدات الحروب تارة، وبدعاوى السلام تارة أخرى، فرض دولته العنصرية «اليهودية الكبرى» بالإرهاب والخديعة كأمر واقع على الجميع، ليس على حساب الفلسطينيين فقط، ولكن أيضا على حساب العرب المسيحيين والمسلمين في فلسطين وفي الدول العربية «من الفرات إلى النيل»!