;

عاد بِخُفّي منتظَر! 870

2008-12-18 03:47:37

علي صالح القادري

الأمثال ذاكرة الشعوب فيها اختزلت تجاربها وحوادثها وثقافتها، ومن الأمثال العربية المثل العربي: "عاد بخُفّي حُنين"، وحكايته معروفة مهشورة وذلك يعفيني من ذكر تفاصيله إلا بمقدار الحاجة إلى الربط بينه وبين الموضوع الذي أنا بصدد الحديث عنه والذي أصبح حديث الساعة واليوم والغد وربما إلى أن تقوم الساعة وقد تصرفت في المثل باستبدال الاسم ليتناسب والحادثة التي أنا بصدد الحديث عنها والتي يلتقي فيها العائدان بالخفين مع الفارق بينهما حنين وبوش في أمور، أهمها الخيبة والخسران، فإذا كان صاحب المثل قد عاد إلى قومه بخفي حنين إثر مكيدة حُنينيّة جعلته يخسر جمله بما حمل أو راحلته بحمولتها ويعود إلى قومه بخفي حنين خائباً خاسراً مستصغراً نفسه التي أطمعته في الخفين ففرط بما هو أكبر فإن العائد الآخر بالخفين بوش الذي أتى العراق الأحد المنصرم مُمّنياً نفسه أن يُكلل عهده بمكسب جديد يضاف إلى مكاسبه أو قُل ليضيف جرماً جديداً إلى سجل جرائمه التي ألحقها بالعراق وشعبه، موهماً نفسه رغم سجله الذي لم نذكر سوى سطراً من سطور صفحاته وفصوله المتعددة ظاناً أنه سيُستَقبل في ذلك البلد الجريح الدائم النزف جرّاء سياسته وأخطائه التي لم تُكفّرها ولن تكفرها كثرة اعتذاراته استقبال الفاتحين المحررين حسب زعمه وأمثاله ومن سار من العرب على نهجه ومنواله، فإذا به يفاجأ بآماله وأوهامه تتطاير أمام عينيه وخُفِّي منتظر الزيدي الأشهرين اللذين فاقا خفي حنين شهرةً، نظراً لِقدِم الخفين الحُنَينيّين واقتصار شهرتهما على العرب فقط من خلال قراءتهم كتب التراث الأدبي، أمام خفي مننتظر اللذين ترجع شهرتهما لأسباب منها: جِدّتهما، ومعرفة مقاسهما "44" حسب قول بوش المقذوف بهما على مرأى ومسمع ملايين مشاهدي ومتابعي المؤتمر الصحفي المُذَاع عبر الفضائيات العربية والأجنبية، ليكتسبا بالبث الفضائي ميزة إضافية إلى الميزات السابقة وهي مشاهدتهما لا القراءة عنهما فأصبحا بذلك مشهورين لا على مستوى العرب فقط كما خفي حنين بل والعجم أيضاً. . . ومن ميزات خفي منتظر نعود إلى الخسران الجامع بين العائدين بالخفين، فخسران العائد إلى قومه بخفي حنين قد اقتصر على فقدانه راحلته ولكنه عاد بالخفين محمولَين أو منتَعَلين، أما العائد بخفي منتظر فقد عاد إلى قومه مرمياً بهما خاسراً كرامته وهيبته أمام الملايين الذين شاهدوهما وهما ينطلقان على التوالي من يد منتظر صوب وجهه، وعلى ذِكر خسران أو فُقدان الكرامة بسبب الرمي أو الضرب بالخفين "الحذاء" قد يقول قائل إن مسألة فُقدان الكرامة للسبب المذكور لا معنى لها، وأنها نِسبية تتفاوت معنىً ودلالةً في ثقافتنا العربية عنها في ثقافتهم الغربية التي لا ترى في ذلك ما نراه من إهدار لكرامة المقذوف أو المضروب بهما وإهانة له ما بعدها إهانة لدرجة تجعله يتمنى لو أنه قُتِل بسيف أو رصاصة أو سواهما لكان أرحم له من قتله معنوياً ولو بمجرد التهديد بالضرب بهما نظراً لما يتركه ذلك التهديد أو الضرب في نفسه من شعور بالذل وإحساس بالاحتقار والازدراء من قِبَل قومه ومجتمعه بسبب ما ترسّخ في ثقافتنا العربية الجمعية وعاداتنا وتقاليدنا المتشابهة في أمور كثيرة منها نظرتنا إلى الحذاء والإهانة به، ومثال ذلك من مجتمعنا اليمني أن الجالس بين إخوانه أو أصدقائه في مجلس وجاء في حديثه ذِكر الحذاء لسبب ما فإنه يقول: "عزك أو صانك الله"، وفي العراق "أكرمك أو أجلك الله"، وفي مصر عندما يخبر شخص شخصاً آخر عن عراك "مضرابة" بين اثنين لا سيما إن كان المُخبِر متشفياً في أحدهما يقول له: "ده انضرب بالجزمة"، وإذا أراد أن يُظِهر تشفياً أكبر واستحقاراً أكثر للمضروب فإنه ينعت الجزمة ب "القديمة"، ولا أظن الحال يختلف عن ذلك كثيراً في سائر الأمصار العربية الأخرى، وما دامت النظرة إلى الحذاء وفق ذهنيتا وثقافتنا العربية على هذا النحو فهذا يعني أن العائد بخفي منتظر مرمياً بهما قد خسر كرامته وهيبته وغطرسته كلها أمام ملايين العرب وهذا يكفي حتى وإن لم يخسر سوى بعضها أو قليل منها لدى قومه وبني لسانه وغيرهم من العجم بفعل ثقافتهم التي لا تنظر إلى هذا الأمر نظرتنا إليه، ورغم ذلك وحتى وإن كان الحال عندهم كذلك فصحافتهم وإعلامهم المتعدد الوسائل والوسائط كفيلة بإيصال ما تبقّى وما خَفِي عليهم من مدلول الرمي أو الضرب بالحذاء عربياً وهذا ما أدركته وأنا أتابع في اليوم التالي لهذه الحادثة الحذائية من خلال عبارة سمعتها من مذيع "البغدادية" التي يعمل منتظر مراسلاً بها عندما كان المذيع يقرأ ما كتبته الصحف العربية وغير العربية من أخبار الحذاء المنتظَري، حيث أدركت فارقاً ثقافياً حول هذه المسألة وأدركت أيضاً وهنا بيت القصيد حرصاً على إيصال المعنى والمدلول العربيين إلى قارئهم فعندما وصل المذيع إلى قراءة ما كتبته صحيفة ال "ديلي تليغراف" عن الحادثة أوردت الصحيفة بعد تعديدها المراحل التي مر بها خُفّا منتظر من لحظة انطلاقهما إلى لحظة ارتطامهما بالعلم الأميركي أردفت الصحيفة ذلك وبقصد التنويه ولفت انتباه قارئهم إلى مغزى الحذاء عربياً أردفته بما فحواه أن الرمي بالحذاء في الثقافة العربية يعد أشد أنواع الإهانة. . أضف إلى ذلك كله حتى وإن لم يصل إلى قارئهم أو مشاهدهم أو سامعهم هذا المدلول فيكفي أيضاً أنه وفقاً لثقافتهم قد أوصل إليهم أن المرمي والعائد بخفي منتظر غير مرحّب به في بلد هو سبب مآسيه وأوجاعه.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد