ممدوح طه
هل هذا المشهد الإعلامي والدرامي والتاريخي، الذي شاهده العالم كله بالصوت والصورة على الهواء مباشرة بما يفوق أكثر المشاهد إثارة معقولا أو مقبولا؟!..
هل كان يتخيل «بوش» وهو القائد الأعلى «المنتصر» للجيش الأميركي الأكبر قوة في العالم، والرئيس الأكثر إثارة للجدل لأعظم دولة في العالم أن يرشق بالأحذية في نهاية أيامه على يد المواطن العراقي «المنتظر»، وفي العراق بالذات وهو الواقع تحت احتلال قواته، بينما كان يروج للأميركيين أن المواطنين العراقيين سوف يرشقونه بالورود مكافأة له على احتلاله وتدميره للعراق وعلى جرائم القتل والتعذيب لمئات الآلاف من المواطنين العراقيين الأبرياء؟!
هل كان يمكن أن يتخيل أي محرر صحافي للخبر أن يروي لقرائه أو لمشاهديه أو لمستمعيه مثل هذا الخبر، الذي يكتسب أبعاده من جوانب كثيرة سواء في زمانه أو مكانه أو في دلالاته؟!.. وهل يمكن أن تنفصل مشاعر «المواطن» العربي العراقي عن مشاعر «الصحافي» العربي العراقي الغاضبة ومرارته المكبوتة على كرامته المهدرة وعن شعبه المعذب ووطنه المحتل تجاه قاتل شعبه، ومحتل أرضه ومهين كرامته الإنسانية والوطنية؟!..
هذا هو السؤال الصحافي الذي يطرح أكثر من سؤال، الذي تسابقت على طرحه كل وكالات الأنباء العالمية، ورددته تعليقات كل محطات التلفزة الأميركية والأوروبية، والذي استدعت محاولة الإجابة عليه العديد من التحليلات والمقالات في الصحافة العربية والأميركية والعالمية وفاق كل الأسئلة !!
والصحافي، أى صحافي ليس من مهمته أن يكون صانعا للحدث الذي يستحق أن يكون خبرا، بل هو في أعلى درجات نجاحه المهني ليس إلا راويا للحدث من خلال الخبر، وإذا كانت هذه هي القاعدة فإن الاستثناء هو أن يكون الصحافي مساهما بدرجة أو بأخرى في صنع الخبر، لكن ما يخرج عن القاعدة وعن الاستثناء معا أن يكون الصحافي صانعا للحدث وراويا له في الوقت ذاته..
وأي صحافي، بين واحد من اثنين، أو هو الاثنان معا، السؤال أو المقال.. صائد لخبر أو طارح لرأي.. والسؤال الصحافي الناجح ليس ما يربك المسؤول في الإجابة، أو ما يستدعي أكثر من إجابة، بل هو الأكثر جدة والأكثر قوة والأكثر عمومية والأكثر شهرة بين كل الأسئلة..
وهذا هو الحدث الأخير والمثير الذي فرض نفسه على الرأي العام الأميركي والعالمي قبل الرأي العام العربي والإسلامي الذي تحول فيه الصحافي العراقي المنتظر إلى صانع للحدث وليس راويا للخبر، وترك لغيره من الصحافيين والإعلاميين رواية الخبر كما ترك لغيره من المحللين والكتاب مهمة التعليق والتحليل لهذا الخبر.
إن المشهد الذي طرح أكثر من سؤال واستدعى أكثر من مقال، كما نقلته محطة البي بي سي البريطانية كخبر إلى العالم تلخص في: «قذف الصحافي العراقي» منتظر الزيدي بقناة البغدادية العراقية الرئيس الأميركي «بوش» بفردتي حذائه وشتمه خلال المؤتمر الصحافي الذي كان يعقده مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بغداد.
وقد صرخ الصحافي شاتماً الرئيس الأميركي بالعربية: «هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب» ورماه بالحذاء الأول،وعندما لم يصبه بالحذاء الأول لأن بوش خفض رأسه بادره الزيدي بالحذاء الثاني وصرخ: «وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق».. ولا تعليق لكن بوش ابتسم.