;

في زمن «درء المخاطر» 762

2008-12-24 03:53:50

جلال عارف

إذا كانت الايجابية الأساسية في قرار مجلس الأمن الأخير حول عملية السلام في الشرق الأوسط تتمثل - في نظر الأطراف العربية - في عودة هذا الملف الهام إلى المنظمة الدولية بعد سنوات من تجاهل دورها، فإن ذلك يثير التساؤلات حول التحرك الأميركي المفاجئ لعرض القضية على مجلس الأمن واستصدار القرار الأخير، بعد إصرار طويل على الانفراد بالتحرك خارج المنظمة الدولية، وتعطيل أي دور لباقي القوى الكبرى وتفريغه من معناه، كما حدث مع الرباعية الدولية على مدى سنوات.

صحيح أن إدارة بوش تراجعت تدريجياً عن موقفها الذي بدأت به عهدها باعتبار الأمم المتحدة من مخلفات عهد مضي، وبحاجتها إلى نظام دولي جديد يعكس انفرادها بالزعامة التي كانت تتصور أنها ستدوم لقرن من الزمان على الأقل، لكن التراجع كان مرتبطاً فقط بالحاجة إلى تغطية دولية لتحركاتها، كما حدث في حرب العراق، وبشرط ألا يقيد قدرتها على التصرف المنفرد، أو يعيد الملفات الأساسية إلى عهدة المنظمة الدولية.

وفي ملف الشرق الأوسط بالذات، يلتقي الموقف الأميركي بموقف إسرائيلي ثابت في رفض أي دور حقيقي للمنظمة الدولية، ورفض التقيد بقراراتها، وهو موقف كانت آخر تجلياته التي ترافقت مع صدور قرار مجلس الأمن الأخير، هي رفض إسرائيل لدخول المفوض العام لحقوق الإنسان من المنظمة الدولية أراضيها وترحيله من مطار بن جوريون فور وصوله حتى لا يكشف ممارساتها ضد الفلسطينيين والتي سبق ان وصفها أنها تمثل جرائم ضد الإنسانية.

لكن إسرائيل تخلت عن ذلك كله لتساند التحرك الأميركي لاستصدار قرار مجلس الأمن، ثم تعلن ترحيبها بالقرار الذي أيده أعضاء المجلس ماعدا ليبيا التي تحفظت على القرار بعد مشاورات مع الدول العربية التي رأت أن القرار كان ينبغي أن يشير إلى الاحتلال الإسرائيلي، وإلى وقف الاستيطان وإزالة المستوطنات.

إدارة بوش تريد بلا شك أن تقول ان عملية أنا بوليس لم تفشل، وإذا كان ما وعد به الرئيس الأميركي من تحقيق حل الدولتين قبل نهاية ولايته لم يتحقق ( ولم لكن احد يتوقع أن يتحقق !!) إلا انه ؟ كما تقول الإدارة الأميركية - قد نجح في تحقيق إجماع دولي على رؤيته، وأدخل «أنا بوليس» قبل أن يرحل في عهدة مجلس الأمن نفسه ليصبح - بمقتضي القرار الأخير - هو الطريق الأساسي للحل المطلوب.

وإسرائيل من ناحيتها، لا ترى في القرار إلا فرض «أنا بوليس» أساساً للتسوية، وتكريس التفاوض الثنائي طريقاً «لا بديل عنه» وترك الباب مفتوحاً لهذا التفاوض بلا سقف زمني، مع عدم الإشارة إلى وقف الاستيطان، يما يطلق يدها في استخدام موازين القوة المختلفة لصالحها في فرض المزيد من الأمر الواقع على الفلسطينيين والعرب.

خاصة حين تستغل الإدارة الأميركية المبادرة العربية لتطويعها لصالح إسرائيل بالنص في القرار على تسريع الاعتراف المتبادل بين دول المنطقة بالتوازي مع التقدم في المفاوضات، بدلاً من أن يكون الاعتراف المتبادل هو الرد العربي على استعادة الأرض العربية وإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية وليس قبل ذلك !!

يبقى أننا أمام قرار سيضاف إلى عشرات القرارات الدولية بشان الصراع مع إسرائيل والتي لم تجد طريقها للتطبيق، لأنها لم تجد الإرادة الدولية الراغبة حقاً في تطبيقها، ولم تجد القوة العربية التي تستطيع ان تجبر العدو على التراجع وتقنع كل الإطراف الدولية بان مصلحتها ومصلحة العالم لن تتحقق إلا بسلام عادل في المنطقة.

وإذا كانت تجربة السنوات الماضية قد أقنعت حتى إدارة بوش في عامها الأخير بان حل القضية الفلسطينية هو أساس استقرار المنطقة، فإن حالة العجز العربي ومصيبة الانقسام الفلسطيني كانتا كفيلتين بان تتحول أي عملية تفاوض بهذا الشأن إلى عملية شراء وقت من جانب إسرائيل لاستكمال مخططاتها، وإلى عملية تجميل للسياسة الأميركية خروجاً من كارثة العراق وربما استعداداً لمواجهة إيران، لينتهي عام الحل الموعود من الرئيس الأميركي بقرار من مجلس الأمن لا يغير من الواقع على الأرض شيئاً، لان الواقع ؟

ببساطة ؟ لن يتغير إلا إذا كنا قادرين على تغييره، ولن يكون ذلك إلا بوحدة وطنية فلسطينية حقيقية، وإلا بتوافق عربي قادر على استخدام الأوراق العربية بكفاءة، وإدارة الصراع مع العدو لاستعادة الأرض والحقوق المشروعة وتحقيق السلام العادل والشامل.

وفي غياب ذلك، يتحول حل الدولتين إلى حل الإمارتين (إمارة غزة وإمارة رام الله) بينما العدو ماض في مخططاته للتهويد والاستيطان، ويصبح التفاوض هدفاً في حد ذاته وليس طريقاً للوصول إلى تسوية في إطار زمني محدد، وتتزايد الضغوط على الدول العربية من أجل التطبيع المجاني مع العدو الإسرائيلي، ثم تأتي تصريحات وزيرة الخارجية الإسرائيلية(المتهمة بالاعتدال!!)

تسيبي ليفني حول اعتبار «الدولة» الفلسطينية المقترحة المكان الذي يذهب إليه عرب 48 بطموحاتهم الوطنية لتضع كل علامات الاستفهام حول مصير حل الدولتين من أساسه، ولتؤكد أن الصراع مازال طويلاً، وأن علينا أن نستعد لما هو أسوأ إذا أردنا ما هو أفضل! ويصبح مفهوماً أن يكون ذهابنا لمجلس الأمن وهو بصدد إصدار قراره الأخير هو - كما قال أمين الجامعة العربية - لدرء المخاطر.. وما أكثرها في الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم، وما أقل قدرتنا على مواجهتها حين يكون هذا هو حالنا !!

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد