شكري عبدالغني الزعيتري
إن ظروف النشأة لإسرائيل في فلسطين تتشابه مع ظروف النشأة للولايات المتحدة الأميركية حيث أن الولايات المتحدة الأميركية نشأت من توافد المهاجرين الأوائل من المغامرين ثم لحقهم المنفيون ممن كانت دول أوروبا راغبة في التخلص منهم لأسباب سياسية وأمنية ثم تبع الهاربون من الاضطهاد العنصري أو الديني في أوروبا ثم ذهب إليها الباحثون عن الثروة في بلد تكشف أن موارده بلا حدود من الأرض إلى الماء ومن الفضة إلي الذهب. هكذا تكونت وتجمع البشر في أميركا أي أن أميركا لم تنشأ كوطن وإنما نشأت كموطن ولم تبدأ كدولة وإنما بدأت كملجأ أي أنها في واقع الأمر بدأت ونشأت كفضاء مفتوح لكل من يقدر علي عبور المحيط أو يضطر لعبوره وإن تنوعت الأسباب. . وفيما يخص ظروف نشأة إسرائيل في فلسطين أنها نشأت كموطن ولم تبدأ كدولة وإنما بدأت كملجأ لجمع شتات اليهود في العالم في وطن قومي يهودي واحد وان تنوعت الأسباب والتي كان منها الهروب من التمييز العنصري الأوروبي و القهر السياسي و الفكري والثقافي والتعسف الأمني و الاضطهاد الديني الذي لاقاه اليهود في أوروبا هذا فيما يخص ظروف النشأة وفيما يخص كيفية النشأة فإن الوافدين من أوروبا إلي أميركا كأرض مكتشفة لعالم جديد فرضوا تواجدهم واستقرارهم علي ارض ليست بأرضهم وامتلكوها من خلال استخدام القوة والقتل وحرب إبادة وتصفية للهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين. . .
ولأن الضمير الأميركي كان يتعين عليه أن يجد مسوغات معنوية ونفسية تبرر له جوانب العنف والقسوة في مغامرته التي بدأها علي الشواطئ الأميركية واتجه إلى الداخل وقتله الهنود الحمر الذين كان عددهم خمسين مليونا في أميركا الشمالية عندما ظهرت سفينة (كريستوفر كولمبس المكتشف الأوروبي لأميركا) ووصل عددهم بعد التصفيات والقتل والإبادة من قبل الزاحفين إلى أرضهم من أوروبا نهاية جولة التصفية إلى ثلاثة مليون هندى من الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين ممن بقوا أحياء. .
ولهذا الظلم والقتل والإبادة ذهب الضمير الأميركي لإسكات التأنيب إلى تأسيس فكر تكونت له مدرسته وظهر لديها (نظرية المنفعة) والتي جاء في طبيعتها الأميركية وسياقها الأساسي وخلاصتها ما يلي :
(1) إن الله لم يخلق هذه الأرض وما عليها عبثا وإنما خلقها لبشر سواهم على مثله
(2) تقول نظريتهم : هؤلاء البشر على مثال الإله مكلفون بما ينفع الأرض ويحقق عليها كلمة خالقهم (تنزه الله سبحانه عن هذا الشبة فهو الله سبحانه الذي لا يشبهه شيء)
(3) وإذا كان نفع الأرض هو هدف البشر فإن الأقدر منهم علي النفع هو الأحق بالإقامة عليها
(4) وإذا كانت هذه الأرض في حوزة الهنود الحمر منذ نشأة الحياة ولم يقوموا بحقها فان مشيئة الله تتحقق بأن يحل محلهم من هو أقدر منهم.
وعلي هذا الفكر ونظريته تكونت أخلاقيات وقوانين وقواعد التعامل مع الغير من منطلق (نظرية المنفعة ) الأميركية ومشى فقهها من بداياته. . إلي نهاياته علي أساس انه إذا كان ما هو نافع مطلوبا فان ما هو نافع بدوره مشروع مهما كانت وسائله ومن منطلق هذا الفكر ينبغي أن يستقر القانون وتصاغ مواده فهكذا هو فكر وثقافة أميركا ومنظريها في الملكية والحق. . وفيما يخص بني إسرائيل تعمق إيمان لديهم بهذا الفكر والثقافة في الملكية والحق فسعت لاستثمار هذا الفكر و نجحت إسرائيل أن ترسخ لدى الكثير من شعوب العالم بما هو عكس الحقيقة صورة مؤداها أن فلسطين كانت صحراء جرداء قبل أن ينزل عليها الخصب الصهيوني وأن مالك الأرض الحقيقي والقانوني ليس مالك صك الملكية وإنما القادر علي الأرض أكفأ والممسك بها أقوى ذلك أن الصك ورقه وأما الحق فهو القوة. . . وعليه سعت لفرض احتلالها واستيطانها في فلسطين باستخدام القوة والقتل للفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين ومستمر حتى اليوم وتؤيدها في ذلك كل الإدارات الأميركية التي تعاقبت على الحكم في أميركا وستؤيدها الإدارة الجديدة المنتخبة في 4/ نوفمبر 2008م (باراك أوباما المنتخب رئيسا جديدا لأميركا وإدارته القادمة في 20 يناير 2009م ). . ونرى تفاؤل الكثيرين من العرب بأوباما كونه من أصول إفريقية والتي عانت وما زالت تعاني الاضطهاد في أميركا. . ونرى من يتفاءلون و يمنون أنفسهم بانه سيكون منه مواقف أكثر عدلا واعترافا بأحقية للفلسطينيين وتجاه القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي مما جعل العديد من المتفائلين بالمسارعة إلى تهنئة (باراك اوباما) بالفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية. . وأن سيظهر منه مواقف أكثر عدلا في حق الدول والشعوب العربية والإسلامية. . . ونقول نحن من وجهة نظرنا ومن اطلاعنا المتواضع على الثوابت والمحددات والمنطلقات في السياسة الخارجية الأميركية وقوة سيطرة اللوبي الصهيوني الأميركي علي مؤسسات الحكم في أميركا نقول للمتفائلين خير في (باراك أوباما ) لا تكونوا متفائلين كثيرا فمن يكون رئيسا جديدا علي أميركا يكون قي نهجه للسياسة الخارجية الأميركية وبصفة خاصة تجاه العرب والمسلمين وقضاياهم مع إسرائيل كمن مضى من رؤوسا أمريكيين سابقين وكلهم سواسية كأسنان المشط ولا فرق عند اعتلاء كرسي الحكم ومزاولة الأنشطة السياسية.
Shukri_alzoatree@yahoo. com