د. محمد أحمد عبد الله الزهيري
منذ وجود إسرائيل في قلب العالم الإسلامي عام 1948 م، تبدلت الأمور ووضحت الحقائق وكشفت الأسرار وأزيلت الأقنعة وأجيبت الأسئلة فبعد أن ظل المسلمون ما يزيد على ثلاثة عقود وهم لا يدركون حقيقة وقوف القوات العربية عام 48 على أبواب تل أبيب وهزيمة سبعة جيوش عربية أمام عصابات اليهود الناشئة للتو، ومنع الأنظمة العربية قيام دولة فلسطين بعد الحرب في القطاع والضفة وإخراج المجاهدين من بيت المقدس بعد محاصرتهم وبعد أن عجز اليهود من دخولها ولماذا ضربت القوات العربية في 67 في مواقعها ولم تقم بأي مقاومة؟ ولماذا وقفت القوات العربية عام 73 م بعد الإشراف على النصر النهائي وتدمير القوات الإسرائيلية في سيناء والجولان وبعد أن صار الطريق مفتوحاً إلى فلسطين ولما ضربت المقاومة الفلسطينية في لبنان عام 82والجيوش العربية على مرمى بندقية؟ ولماذا اغلقت الحدود أمام الفدائيين في مصر وسورية؟
وقد عرف الجميع أن كل ذلك وغيره لم يكن إلا تمثيلية متقنة لامتصا ص العاطفة الجياشة في الشارع العربي والذي أستخدم في امتصاص الخطابات النارية والتصريحات الرنانة والقرارات الصارمة مثل فلسطين من البحر إلى النهر ، ستلقي بك يا إسرائيل في البحر ، يا سمك البحر الأبيض المتوسط جوعي نستلقي إليك بجثث اليهود - ومسكينة تلك الأسماك جاعت حتى ماتت ولا للصلح ولا للاعتراف ولا للتفاوض ، وعرفت المسرحية اليوم بعد أن اكتملت فصولها وعرفت حقيقتها .
فكشفت الأقنعة وتعرت الصورة فإذا بالأنظمة العربية تتولى حراسة إسرائيل بنفسها فتقفل الحدود في وجه كل من يريد إقلاق راحة اليهود - طبعاً أولاد عمنا يعقوب عليه السلام - وتضرب القوة الفلسطينية في اليرموك وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا على يد الملاك إسرائيل ، وتعقد المؤتمرات لبحث ضمان أمن إخواننا وأبناء عمومتنا اليهود كما في مؤتمر (شرم الشيخ ) ويعتقل أعضاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي على أيدي الشرطة الفلسطينية ، وينقلب المنكر معروفاً والمعروف منكراً ، فقتل يهودي وتفجير عبوة أو سيارة مفخخة إرهاباً وتطرف وعرقلة لعملية السلام ، وإلقاء الطائرات الإسرائيلية المستمر للقنابل في جنوب لبنان ونسف البيوت ومحاصرة الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وقتل الفلسطينين واغتيالهم في الداخل والخارج ومذابح دير ياسين وكفر قاسم والخليل ومخيمات صبرا وشاتيلا رحمة وسلام وقد أحسن من قال : -
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر ** وقتل شعب كامل قضية فيها نظر
فقتل يهودي إرهاب وتطرف وذبح شعب كامل وتشريده في وطنه رأفة ورحمة .
ومع كل ذلك - أخي المسلم - لا تيأس ولا تقنط وتعال معي لنعرف أن ما يجري في فلسطين إنما يجري لحكمة أرادها الله ، وأن اجتماع اليهود بقدر ، وليوم موعود (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ، (ولا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ) .
وقد كتب الله على بني إسرائيل أن يتجمعوا لليوم المشهود الموعود الحاسم الذي يقتتل المسلمون واليهود ، فيقتل المسلمون اليهود فيختفي اليهود وراء الشجر والحجر فينادي الشجر والحجر ، يا مسلم يا عبد الله ورائي يهودي تعال فاقتله إلا شجرة الغرقد فإنه من شجر اليهود ، رواه مسلم عن أبي هريرة .
وقد فصل الله ذلك في القرآن في سورة الإسراء من أول السورة إلى الآية الثامنة ورغم أن المفسرين قد ذكروا أن ذلك الوعد قد حدث قبل الإسلام على يد بختنصر الأشتوري وقسطنطين الروماني ، لكن المتأمل والموقف في سياق الآيات ومعانيها يصرف بما لا يدع مجالاً للشك أن ذلك سيكون في المستقبل وبعد الإسلام وليس قبله ، فالله تعالى يقول : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا...) فاستخدام الله سبحانه الفعل المضارع ( لتفسدن) مؤكد بمؤكدين هما اللام ، والنون وهذا لا يكون إلا للمستقبل إذ من المعلوم في اللغة أن خبر الماضي لا يؤكد ولا يؤكد إلا أمر غير معروف ولم يقع بعد .
كما استخدم الله سبحانه في الآية التالية كلمة (فإذا) وهي شرطية ظرفية لما يستقبل من الزمن ولو كان الأمر في الماضي لاستخدم الله بدلها كلمة (إذ) التي هي للماضي كما وصف الله تعالى الغزة بلفظ (عباد لنا) وهذا لا يكون إلا للمؤمنين الموحدين له بينما كان بختنصر مجوسياً يعبد النار وكان قسطنطين وثنياً يعبد الأصنام .
ثم أن الله تعالى قال : ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً ) ، فبين تعالى أن القوم في المرتين هم نفس القوم بينما بختنصر أشوري وقسطنطين رومي ، وبين أنهم في المرة الثانية أقوى من المرة الأولى ، وهذا يدل على أن المرة الأولى كانت في عهد الفتح الأول على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأن المرة الثانية لم تأت بعد ومن المعلوم أن اليهود في المرة الأولى كانوا خاضعين للرومان وقد اشترط سكان فلسطين من النصارى على عمر إخراجهم وقد أخرجهم إلى أن عادوا في العصر الحديث وهم أقوى عدداً وعدة حيث لهم دولة قوية وإمكانيات ضخمة يصنعون كل شيء حتى الصاروخ والطائرة وتقف وراءهم كل قوى الأرض من يهود ونصارى وعملاء وغيرهم .
ثم استخدم الله تعالى حرف العطف (الفاء) في قوله (فإذا جاء وعد الأخرة ...) ، وهي حرف عطف يعتبر الترتيب مع التعقيب مما يدل على أن المدة بين عودتهم وهذه المعركة الفاصلة قريبة حيث لم يمض على قيام اسرائيل إلا ثمانية وأربعون سنة وهي قليلة إذا قيست في حياة الأمم والشعوب بينما استخدم الله تعالى للفترة التي تسبق عودتهم بعد طرد المسلمين لهم في عهد عمر حرف العطف (ثم) في قوله تعالى (ثم رددنا لك الكرة عليهم ) ، وهي حرف عطف يفيد الترتيب مع التراخي وقد ظل اليهود خارج فلسطين حوالي ثلاثة عشر قرنا ، وبين تعالى أن الموعد موعدان الأول والأخر فلا ثاني ولا ثالث بينما تعرض اليهود قبل الإسلام لغزوات وحروب كثيرة . وليست حزبين فقط ثم قال تعالى : ( وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً ....) ، وفيها زيادة توكيد على أن القوم هم القوم وهم المسلمون حيث لا يدخل المساجد غيرهم ولا تسمى المعابد مساجد إلا عندهم ، أما بختنصر المجوسي عابد النار فأنى له أن يدخل مسجد وقد نفى بني إسرائيل وهدم بيت المقدس ولم يترك فيها أثر لحياة حتى مر عزيز عليها فقال :( أنى يحي الله هذه بعد موتها ) ، وأما قسطنطين الوثني فقد دخل ودم يوحنا المعمدان ( يحيى بن زكريا ) عليه السلام يصلي فعرف أنه دم مظلوم فقتل من بني إسرائيل سبعين ألفاً ، كما تقول الروايات ، فسكن الدم .
وأخيراً فإن المعركة الفاصلة آتية لا محالة وهذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ولن يخلف الله وعده ، وهذه المعركة الفاصلة ليست معركة أرض وحدود ولا معركة جنس أو قومية ولا معركة بلد أو وطنية بل هي معركة عقيدة ووجود بين المسلمين المؤمنين الموحدين الصادقين وبني اليهود الكفار المشركين المخادعين أحفاد القردة والخنازير حيث وصفها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقاتل المسلمون اليهود - ولم يقل يقاتل العرب اليهود ولا الفلسطينيون اليهود - وذكر - صلى الله عليه وآله وسلم - وصف أبطالها بوصفين دينيين إسلاميين هما يا مسلم ، يا عبد الله ، وعليه فليعلم المسلمين أن النصر آت وأنه لن يكون على يد من يحملون الرايات الجاهلية ولا المخترقة ولا المبتدعة ولا الضالة ، ولم يذكر التاريخ ولن يعرف أن معركة حاسمة فاصلة لصالح الإسلام والمسلمين قد تمت على يد منحرف ولا مبتدع ولا فاسق ولا ضال بل كان هؤلاء سهماً متقدماً ومغروزاً في جسد الأمة عين لكل غاز ورأس حربة لكل عدو وما فعله نصير الدين الطوسي وابن العلقمي بالمسلمين في بغداد والعراق وبلاد الشام ليس خاف على أحد وما فعله علوي الجبل بالمسلمين مع النصارى كذلك وما فعله رافضة إيران بالمسلمين على مر التاريخ وما يفعله العملاء الجدد بالمسلمين في فلسطين ولبنان والعراق ومصر والجزائر وتونس وأفغانستان وتوليهم المعركة ضد شعوبهم المسلمة ليس بخاف على أحد ، وإنما كانت المعارك الحاسمة الفاصلة وستكون على يد العلماء الموحدين الصالحين أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فحطين وعين جالوت وشقحب والقسطنطينية وعمورية والفتوحات في صدر الإسلام والعصور اللاحقة إنما كانت على يد القادة الربانيين المخلصين كما ذكرنا وكما عرفنا في تاريخهم .<
* رئيس قسم اللغة العربية - جامعة إب