لسنا وحدنا من تحدث عن الميز الجهوي في تونس الذي أسس له الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، واستمر على نهجه الحاكم الحالي لتونس "بن علي"، بل إن رؤساء ومدراء أحزاب أشاروا إلى ذلك كرئيس حركة النهضة الشيخ/ راشد الغنوشي ـ في بيان للحركة بهذا الخصوص، دعا فيه كل القوى السياسية إلى حوار وطني حول أزمة البلاد الاجتماعية والسياسية المتصاعدة من أجل وضع حد لمسار من تدهور متسارع لا يقف عند احتراق ثلة من خيرة شباب البلاد إلى إحراق البلاد كلها، والأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي.
إن هذه الاحتجاجات عنوان انسداد الأفق والشعور بالغبن تجاه التفاوت المتفاقم بين الجهات.. فلقد واجه المنتفضون جحا فل قوات الأمن البالغ عددها نحو "150" ألف عنصر، وقتل أحد المتظاهرين برصاص الشرطة، بينما تعرض المعتقلون لتعذيب رهيب كشفت عنه أجسادهم المثقوبة وجراحاتهم لعميقة التي تم تصويرها والاحتفاظ بها في أرشيف الذاكرة الشعبية دليلاً على وحشية ذاك النظام البوليسي الغارق في انغلاقه وتطرفه، مما يكشف عن هشاشة النظام الذي يعتمد اعتماداً كلياً على قوات القمع في الاحتفاظ بالحكم والاستمرار فيه رغم إرادة الشعب، وقد كرس "بن علي" هذا الضعف من خلال تسول الشعبية بإنجازات بعض الرياضيين مثلاُ .
من أكل العلف الحيواني إلى حرق النفس:
لقد ظل النظام التونسي يفاخر كاذباً بما يزعمه عن المعجزة الاقتصادية " في تونس" وإذا بنا نفجع بأن أهلها في القفص يأكلون علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة، ويلجأون إلى الجزائر بحثاً عن الطعام ونتفاجئ أيضاً ببعض أهلها على الحدود الليبية يلجأون لليبيا بحثاً عن أسباب الرزق من خلال التجارة عبر الحدود و كذلك الشاب في سيدي بوزيد الذي يحرق نفسه احتجاجاً على الظلم والإستبداد وانسداد الآفاق وهرباً من شبع المجاعة التي أرخى سدولها نظام "7 نوفمبر"، ولا شك فإن الذي استبدل الهجرة عبر قوارب الموت الذي سمي في تونس "الحرقان" بإحراق نفسه داخل بلدة لن تعجزه في المستقبل الحيل للبحث عن بدائل أخرى تحدث عنها الكثيرون وهي إحراق من تسبب في تعاسته دفعه لمصطلح "الحل النهائي" الذي مارسه مع المعارضة.
على خطى أوروبا الشرقية:
من المؤكد أن العرب في الأقطار التي يعيشون فوقها حسب تقسيمات "سايكس بيكو"، على موعد مع التاريخ للتنافس في كسر حلقات القيود الاستبدادية، التي يجدون أنفسهم مكبلين بها، وذلك حتى لا ينظر إليهم على أنهم من مخلفات التطور بعد تصفيه جيوب الاستبداد والديكتاتورية في مختلف أنحاء العالم وإبقاؤهم جزيرة معزولة، في بحر متلاطم.
وما لا تعلمونه كانت ألمانيا أكثر الدول الاشتراكية تطوراً ولكن الشعب أراد الحرية ولن نذكر قصة سقوط الملكية في فرنسا، وثورة الجياع الذين لم يجدوا الخبز مع ذلك طالبتهم الملكية بأن يأكلوا البسكويت، لأنها لا تعيش بؤسهم، وبالتالي لا تشعر بمعناهم وهي قصة مشهورة يعرفها الكثيرون لذلك لا داعي للإطالة.
هذه قصص واقعية تؤكد أشياءً كثيرة من بينها: إنه بين يدي المرأة.. أو تحت قدميها يفرط الطغاة بكل شيء وإن الطغاة يظلون طغاة إلى أن يغرقهم الشعب في دمائه وأن الحرية لها ثمن هوا السجون والمنافي وحتى الموت.. فمن يناله شرف إضاءة الطريق للآخرين.. لأن البديل بقاء الجميع في العتمة وموت الجميع في المزبلة وهي فترة تعد امتداداً للاحتلال الفرنسي لتونس، ليواجه المتظاهرون قوات القمع بشجاعة تذكر بجولات سابقة في ميدان النضال، ولاسيما أثناء ثورة الخبز 1984م، وقبلها الثورة النقابية بست سنوات، ثم الانتفاضة المسلحة لسليمان ، ثم المناطق الحدودية على لبيبا، ولأن "سيدي بوزيد" ومناطق واسعة شملت العاصمة.. فهل تكون تونس منطلق لاسترداد الشعوب العربية حقها من خلال العصيان المدني العام على طريقة شعوب أوروبا الشرقية التي تخلصت من ديكتاتوريها وجلاديها في تسعينات القرن الماضي، ولم يبق فيها في الوقت الحالي سوى ديكتاتورية روسيا البيضاء.
ومن هنا أود الإفصاح والاعتراف بأن هناك قلق وخوف ينتابني ويزداد كل يوم عن غيره وخاصة منذ حدوث الثورة التونسية الحرة والتي باركها الشعب ولا أقول القيادات العربية، كونها أبرزت معان عجزت الشعوب عن البوح بها، ولا أخفي عليكم أن مصدر في وقلقى هو القيام بأعمال مشابهة لانتفاضة تونس.. فإذا كان الله عز وجل تدارك الفتنة بخير وأن كان هناك ضحايا فهي تعد بالأصابع ـ فأنا لا أضمن الثورة السلمية في بلدان أو شعوب أخرى.. فكما يقول المثل "مش كل مرة تسلم الجرة" وأنصح كافة أبناء الشعب بالتزام الهدوء وامتصاص الغضب درءاً للفتنة لعل قياداتنا تأخذا العظة والعبرة مما جرى في تونس.. فنحن شعب الحكمة والإيمان.
رمزي المضرحي
انتفاضة تونس.. هل تؤسس لفجر عربي جديد! 2034