كم كان لائقاً بمجلسي النواب والشورى اتخاذ مواقف قوية وواضحة وتقديم مبادرة تحظى بقبول جميع أطياف العمل السياسي بدلاً من تصفيقهم لفخامته تحت قبة البرلمان تفادياً للغليان الشعبي والانفعالات والفوضى الخلاقة، حيث لا
يفهم سوى أنهم يصفقون لأنفسهم على إيصال الرئيس إلى هذا الموقف الحرج.. متناسين في ذات الوقت أن التصفيق ولاء رخيص.. مغشوش.. هزيل.. هش.. مغسلة من مغاسل اليد لتلويث أدمغة الشعوب.
وبسببه نعتنا البعض بأننا قوم نعشق التصفيق حتى في مناسبات الموت والأحزان.
حتى وإن منحت تلك الأيادي المصفقة للحكام نوعاً من حكاية الفرح ورفع الروح المعنوية، إلا أنه فرح عابر سرعان ما يزول بتقشع الأزمات وثورات الجياع والعاطلين عن العمل الذين يلجأ معارضو النظام إلى العزف على
أوجاعهم لإسقاطه..
وفي ظني أن "التصفيق" هو أحد مسببات الوجع العربي التي يجب مراجعتها.. ففي حين لا يعي المصفقون أن تصفيقهم يجعل أحلام الحاكم لا تتوقف بالحصول على القوة المطلقة وتحقيق المجد بالسيطرة على العقول
وينسيه تلك الثقوب المنتشرة في الجسد.. يشكل ذلك التصفيق منظومة من الذل والقهر داخل نفوس المضطهدين من الناس ويصبحون قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أيه لحظة.. كل ذلك بسبب ذاك التصفيق الذي أصاب
البعض بالهوس حد الجنون وأصبح جزءاً أصيلاً منهم.. غير مدركين أن في نوبات الجنون يقع الانهيار.
فكم وكم صفق وصفق الرومانيون لـ"تشاوشيسكو" الذي كان لديه أكثر من عشرة ملايين جندي يحرسونه وعندما انهار نظامه لم يجد من يصفق له في تلك النهاية المأساوية، وكذلك هو حال "ستالين" الذي جوع الملايين من
الروس ونزح ملايين آخرين بسببه وهزم أقوى جيش في الحرب العالمية الثانية، إلا أنه مات مسموماً بيد واحد ممن كان يلهج بالتصفيق بحمده وهو وزير داخليته "بيريا" وشاء القدر أن يذوق الرفيق ستالين من نفس الكأس التي
يرغم أعداءه وخصومه على الشرب منه.. فكما أن تلك الأيادي المصفقة لم تشفع لهما وأمثالهما هاهي تتخلى عن بعض حكام اليوم الذين لم يستفيدوا من عبر التاريخ ولم يستشعروا أنها ـ أي تلك الأيادي المصفقة ـ مليئة بالكذب
ومنتفخة بالنفاق الاجتماعي والرياء السياسي.
فهل يفقه المصفق والمصفق له عواقب التصفيق؟.
Yonis210@hotmail.com
يونس الشجاع
كفوا عن التصفيق!! 1892