ما من شك أن التغيير شيء طيب في جميع الأحوال ويبعث في الحياة التجديد والنشاط ويدفع عنك سآمة الروتين اليومي الممل في الملبس أو ديكور المنزل والمكتب أو حتى في نوعية الطعام و..... أما الحديث عن تغيير نظام يأتي هكذا خبط عشوائي وبين عشية وضحاها بل وحتى من دون تفكير أو تدبر فهو لا محالة سيجر الوطن إلى ما لا يحمد عقباه.. فاليمن ما كانت ولن تكون مصراً أو تونس لأن الاختلاف والانقسام لن يتركها وشأنها بل سيمزقها أشلاء متناثرة تبكي حظها العاثر وتندب زمنها الغابر وأضف إلى ذلك أن تورثي مصر وتونس نجحتا لأن المصاب جلل ورغيف الخبز كان حلماً وشربة الماء كانت صرفاً صحياً والصحة كانت معدوة وآدمية المواطن مهدورة وكرامته مستباحة قهز وذل وفقر.
أما نحن فخروجنا بطراً وافتراء نعمة ربنا جل جلاله ويكفي أننا ننفق سبعة مليار دولار سنوياً في شجرة القات ثم ندعي بعد ذلك بؤساً وفاقة وفقراً وحاجة ثم.. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فإن كنا نريد التغيير الذي يرتقي بنا فهو الذي يبدأ بالنفس والأسرة والمجتمع بالبحث عن مواقف التقصير والوقوف أمامها بصدق انطلاقاً من منهج النبي السمح "كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته" أن نحارب الفاسد والفساد وأن نتقي الله في البلاد والعباد وإن كنا نريد التغيير الأخير الذي يهوي بنا إلى السحيق فلن نجني إلا أشواكه.
ومما يروى أن آدم عليه السلام أوصى بنيه بوصايا منها أنه قال: إذا أردتم فعل شيء فانظروا في عاقبته فإني لو نظرت في عاقبة الأكل ما أكلت من الشجر.
إنها نصيحة ثمينة ما أحوجنا إلى التفكير فيها والتدبير إلى نتائجها فقد دفع أبوكم الثمن باهضاً جراء فعلته التي زينها له الشيطان عليه لعنة الله وغضبه.. ألم يقل ربكم في كتابة محذرا ((قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)).
قابيل أيضاً دفع الثمن مضاعفاً حينما اعتدى على أخيه وقتله وكانت النتيجة أن أصبح من النادمين بل وكما يقول المصطفى صلوات ربي عليه وسلامه "ليس من نفس تقتل إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل".
ونحن أيضاً أبناء سبأ قد أذاق الله أجدادنا جزاء ما اقترفوه من كفر بنعمة الله والجحود بها يقول تعالى: ((لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور))، فماذا كانت النتيجة الشكر أم الكفر والجحود، إنه أمر ذكره الله في كتابه الكريم، إنه الإعراض وعدم الامتثال لأوامر ربنا يقول تعالى: ((فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجزي إلا الكفور)).
أعلموا يا عباد الله أن المعاصي تزيل النعم ولا تكونوا أعواناً للشياطين على بعضكم فالغني والفقر بيد الله وهو أمر قد حسم منذ عهد بعيد وما احتجاجكم اليوم إلا احتجاج على قدر الله ومشيئة، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( طوبي لمن هدي إلى الإسلام وكان رزقه كفافاً وقنع).
وقال أيضاً: (لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة).
وأذكركم بقول ربكم تبارك وتعالى: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة..
أنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم).
ولعل ما نراه الآن في الشوارع والساحات إنما هو نزغ من الشيطان فإذا بها صراعات وانقسامات واختلافات كلها على دنيا وصفها رسولكم بالملعونة قائلاً: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه أو عالماً أو متعلماً".
بل وقد نجد العالم والمتعلم ربما قد وقعوا في شراكها لما زينها الشيطان وأغرانا بطول الأمل ورغد العيش وأنسانا قرب الأجل فإذا بها ضريبة باهضة ندفعها من خروج عن العقيدة الحقة والبعد عن منهج النبي ـ صلى الله عليه وسلم، وصرنا لا نعرف منها إلا الركوع والسجود بقلوب صارت أشد قوة من الحجارة الصماء وعقول صارت مغيبة ولا تعي ما تفعل ولا تدرك عظمة المصاب وجسامة الشرخ في الجسد الواحد.
يا أمة الإسلام لِمَ فرقتم الصفوف ولِمَ انتصرتم للشيطان بخروجكم عن السلطان؟ فمن طاعة ربكم طاعة نبيكم وولاة أمركم.. لم قطعتم صفاً وفرقتم جمعاً؟ ارجعوا إلى أنفسكم وأبسطوا أيديكم واعملوا على التهدأة وإصلاح ذات البين.. فوحدوا صفوف الأمة وابتدروا المبادرات التي تحفظ لوطنكم أمنة ولشعبكم كرامته وتحقن الدماء، احتكموا للعقل واحبطوا كيد الشيطان، عودوا جميعاً إلى رشدكم وتفكروا في العواقب وتدبروا أموركم فإن لذلك من المحامد والمحاسن الشيء الكثير لعل أهمها على الإطلاق أنه سيقيكم وسيقينا الوقوع في دائرة الحسرة والندامة وسيجنب الجميع الويلات والشرور ما الله به عليم.
نسأل الله أن يوحد صفوف الأمة ويجمع شملها على قلب رجل واحد إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عفاف سالم
وإسلاماه ... 1686