على طرفي نقيض.. ظل طرفا الحياة السياسية اليمنية يقفان من مجمل الأوضاع والتحديات التي اعترضت ولا تزال قافلة هذا الوطن -المنكوب بحماقات بعض أهله وأخص أولئك الذين تغشتهم ضلالات النفس الأمارة بالسوء-من العبور إلى غد شاهق النماء والرخاء في لعبة شد الحبل السياسي ، لم تألوا الأطراف جهدا في إبراز قدراتها العابرة لحدود اللعب النظيف,الحاكم يشد والمعارضة تشد وبين ذلك وطن تشتد يوما بعد آخر خساراته وخيباته!
اختلفت قواعد اللعبة اليوم وظهرت المعارضة -بعد أن ركلها الشارع في العديد من الاستحقاقات الديمقراطية السابقة تشعل فجأة بخور الإمتنان لأولئك الشباب الذين قصوا شريط مرحلة سياسية جديدة وشحنوا مواقفها برصيد هائل من وحدات الجرأة والإقدام بعد أن ظل حضورها يرزح تحت مستوى خط الثقة والتردد.
لقد كان لهبوب عاصفة التغيير التي أطاحت بزعيمين عربيين ثالثهما في الطريق؛يدان -أحدها آثمة- أسهمت في إطلاق رصاصة الرحمة على وشيجة التواصل بين الطرفين,من خلال القراءات الخاطئة لتلك الأوضاع من قبل متطرفي هذا الطرف أو ذاك والتي لعبت دورا محوريا في إذكاء نار التنافر والتصادم,فتم الخلط –عن قصد أو عن عدم قصد- بين كثير من القيم والمفاهيم المرتبطة بتلك التحولات الإستثنائية التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها في الغالب الأعم,وأخرى ناعمة أسهمت إلى حد كبير في كشف عورات واقعنا السياسي المثير لشهية الخروج عن صمت موغل بالتبلد إزاء حاضر ضرير تخطفته الإخفاقات منذ أمد بعيد.
وبين هذه الصورة وتلك تناسلت المواقف لكل طرف,فالمعارضة اليوم تظهر نفسها وكأنها البديل الجاهز لسلطة باتت قاب قوسين أو أدنى من الرحيل، لذا فهي لا تفتأ تكشر عن أنياب الرفض المطلق لكل مبادرات التهدئة والحوار وذلك في يقيني يصب في خانة التطاول السياسي الذي كبد الوطن وما يزال خسائر فادحة لن يكون آخرها التشظي الحاصل على طول هذا الوطن المكلوم وعرضه.
والسلطة من جانبها أمعنت في الدوران حول المشكلة ولم تكلف نفسها بالغوص إلى أعماقها, لاتخاذ معالجات جريئة تركز على تقديم المزيد من الإصلاحات الملامسة لهموم الناس وآلامهم وآمالهم بعيدا عن الدوران مع المعارضة في حلقة مفرغة من الكر والفر السياسي الذي أثبتت الأيام ألا طائل منه سوى تضييع المزيد من الوقت ليس إلا، خصوصاً بعد تلغيم العلاقة بينهما بالمزيد من الشك وعدم الثقة.
ينبغي اليوم نفض غبار الماضي وإسقاط المراهنات على خيار الفوضى والتقدم بمصداقية أكثر نحو مربعات المكاشفة والوضوح وذلك –كما لا يخفى-لا ولن يتم إلا بالحوار خصوصا في ظل إرتفاع سقف الحريات السياسية المكفولة دستوريا، فما الذي يمنع من الحوار وما البديل إذا لم يتم ؟ لقد مد الرئيس اليوم يدا دافئة للحوار ليس لأنه كما تعتقد المعارضة في موقف من الضعف بمكان يؤهله لتقديم المزيد من المبادرات ولو كانت بحجم الرحيل عن السلطة ولكن لأن الوطن بالفعل أحوج ما يحتاج إليه الآن هو الحوار,فبه نعصم الوطن من أمر التشرذم والفوضى وبه يتم نزع فتائل الكيد والكيد الآخر ليسقط تجار الفتنة وكهنة الفوضى والتخريب وبه يمكن لسفينة الوطن أن ترسي بسلام.
فقط ساستنا الأعزاء نريد مزيدا من الإخلاص والولاء، فهذا الوطن ما زال ينتظر منكم الكثير,قولوا نعم للحوار لا للفوضى والفساد,نعم للحب والخير لا للضغينة والشر والحقد, نعم لأن يعي الجميع بأنه في حال اتساع رقعة الفوضى وامتداد دوائر التشظي والإنفلات فإن الوضع سيخرج عن سيطرة الجميع ووحده الشيطان من سيمسك بمقاليد الأمور ويدير دفتها نحو الجحيم,قولوا نعم للإتجاه الجاد والفعال نحو معالجة الإختلالات والإعتلالات التي يئن منها الجسد الوطني منذ عهد ليس بالقريب,فما أروع ان نحاور الوطن بالمزيد من جهود التنمية والبناء,عندها لن يكون بمقدور أي حراك سياسي إحراز ولو نقطة يتيمة في دورات التغيير التي ذهبت بطولاتها الأولى لشباب تونس، فمصر، فشباب ليبيا الذين دكوا وما يزالون مرمى النظام الليبي بكثير من أهداف الحرية حاول جاهدا الحكم الليبي إلغائها بحجة تسجيلها من مواقع متسللة لكن دون جدوى.
شرفة
ما يزال هناك متسع من الوقت لترميم صباحات هذا الوطن من سدف الفساد.
غيلان العماري
قولوها .. نعم للحوار 1967