وسط التعليقات الأميركية المتناقضة حول أحداث منطقتنا، دائما ما يبرز تصريح أميركي واحد، وهو النصح بضبط النفس. ويوم أول من أمس كرر الأميركيون هذا التصريح نفسه، تعليقا على دخول قوات درع الجزيرة الخليجية إلى المنامة بناء على دعوة بحرينية.
والحقيقة أن على الإدارة الأميركية الآن ضبط التصريحات، فما يصدر عن واشنطن من تصريحات متناقضة بات أمرا محيرا، بل مريبا. فكيف يقول وزير الدفاع الأميركي إن على البحرينيين إجراء إصلاحات سريعة لوضع حد للتدخل الإيراني - وكأن الإصلاحات عملية ابتزاز - بينما تصدر عن الأميركيين أيضا تصريحات تقول إن التظاهر ليس الحل في اليمن ولا بد من الحوار؟! فكيف على حكومة البحرين أن تتحرك فورا، بينما على المتظاهرين في اليمن أن ينتظروا؟ أمر لا يستقيم، بل إنه مدعاة للريبة والشك. وهذا ليس كل شيء، فهاهو القذافي يستخدم الطائرات لقصف شعبه، والإدارة الأميركية لا ترى حاجة ملحة لفرض الحظر الجوي على ليبيا، بل مشغولة بالضغط على البحرينيين، بينما يهدد القذافي المجتمع الدولي بأنه سيتحالف مع «القاعدة»، في الوقت الذي يتهم فيه القذافي نفسه الثوار الليبيين بأنهم هم «القاعدة»!
وكما أسلفنا، فإن أميركا - بدلا من محاولة فهم ما يجري في المنطقة - توزع التصريحات، والتسريبات الإعلامية يمينا ويسارا، مرة بالطعن في الإعلام السعودي، وأخرى بالقول إن السعوديين يأخذون الأمور بشكل شخصي، ثم يعودون للقول إن على البحرين أن تسرع بالإصلاح، وإنهم يدعمون قيما دولية، ثم يتجاهلون ما يحدث في ليبيا، ويطالبون المتظاهرين في اليمن بالتعقل، هذا عدا عن تجاهل ما يحدث في إيران نفسها من قمع للأقليات. وهاهي المعارضة الإيرانية تحاول، إلى الأمس، أن تخرج في مظاهرات بطهران وتتعرض للقمع، ناهيك عن اعتقال رموزها! أمر محير فعلا، لكنه يقول لنا شيئا واضحا وهو أن واشنطن لا تملك رؤية حقيقية لما يدور في المنطقة، وإن امتلكت الرؤية فهي أضعف من أن تتصرف.
واشنطن تجاهلت خطر الحوثيين المموَّلين من إيران، وانتهى الأمر باشتباك القوات السعودية معهم، واليوم تصوِّر ما يحدث في البحرين بأنه مطلب ديمقراطي، بينما تتجاهل حقيقة أن البحرين ليست شيعة فقط، بل إن هناك سنة، وهناك تصريحات إيرانية ليست بالبعيدة تقول إن البحرين جزء تاريخي من إيران. وواشنطن تهادن إيران، وتبسط من مشروعها النووي، على الرغم من أن القضية ليست فقط بخطورة السلاح النووي الإيراني، بل يكفي الاتعاظ بما حدث في اليابان، التي تعتبر واحدة من أكثر دول العالم تطورا في التعامل مع الزلازل والنكبات، والآن العالم على أعصابه خوفا من التداعيات النووية فيها. فكيف سيكون الحال مع إيران المعرضة أصلا للزلازل، ولا تملك أي بنية تحتية حقيقية للتعامل مع ذلك؟
القضية ليست هروبا من الإصلاح، أو الديمقراطية، التي بموجبها سلمت واشنطن العراق لطهران، أو التي خلفت لنا حزب الله الإيراني في لبنان، القضية أنه من غير المقبول أن نسلم رقابنا ومستقبلنا لإيران؛ لذا فعلى الإدارة الأميركية نفسها أن تضبط تصريحاتها بدلا من مطالبات الخليجيين بضبط النفس.
عن الشرق الاوسط
طارق الحميد
وعلى أميركا ضبط التصريحات 1792