فذاك الطفل لا ينام إلا ووالده يتغنى بـ (الشعب يريد إسقاط النظام) والأخرى تتحدث لأبيها (بابا العالم كله يتغير واليمن ضروري تتغير) وهكذا فأينما ترحل وتحل تجد الأطفال يرسمون ويلعبون للتغيير، لدرجة أني وجدتُ في حارتنا فريقين أحدهم يُمثّل الشباب في ساحة التغيير والآخر يمثل البلاطجة فيهاجم الفريق الأول الآخر وبأسلوب يبعث في النفس الضحك على تعابيرهم عن الوضع المُعاش .
كل هذا وغيره يؤكد لنا أن الأطفال برغم صغر سنهم ومحدودية تفكيرهم وتحليلاتهم إلا أنهم يستوعبون الوضع الراهن بطريقتهم الخاصة وبشجاعة الكبار تجدهم في ساحات التغيير دون خوف...
وهذا ما جعلني أعود بذاكرتي إلى الوراء تحديداً إلى حرب 94م حينما كان عمري لا يتجاوز العاشرة فكنا حين نسمع أصوات الطائرات وطلقات النار والمدافع نتهاوى إلى أحضان آبائنا ونرفض النوم بعيداً عنها في حين بات أطفالنا اليوم لا يأبهون لشيء، ففي خضم المواجهات تجدهم في الشوارع وأمام الكبار يصرخون وينددون بأسلوبهم المتناسب مع أعمارهم وهذا بلا شك يدلنا على أن الأوضاع وإن تكررت مجملا، فإن أطفالنا تتغير أساليبهم للتعبير عن ما حولهم من جيل إلى آخر وأطفالنا بالذات هو أطفال التغيير..
فلا يجب أن نتهاون بأطفالنا وبتفكيرهم وتعبيراتهم، فهي بذره نحو المستقبل وجزء لا يتجزأ من الحياة ويعيشونها كما نعيشها نحن ويتفاعلون معها مثلنا تماماً باختلاف أننا نحملها بكل تفاصيلها التي قد لا تستوعبها أفئدتهم أما هم فيحملوها فقط بما قد تستوعبه عقولهم ...
من جهة أخرى.. كثيراً ما يزعجني أن أجد الأطفال في أي جلسه نقاش أو حديث سياسي يُقمعون وتُكمم أفواههم بحجة أنهم ما زالوا أطفالاً, فلربما اتفق مع الوالدين بأن سنهم أصغر من أن يتحدثوا بالسياسة ولكني سأختلف في أن الأطفال يفهمون ويتأثرون بما يدور حولهم، فلا داعي للتعبئة الخاطئة سياسياً.. فلماذا نمانع أطفالنا من التحدث والنقاش طالما وأن المعلومة ستصلهم صائبة وبطريقة سلسة وتناسب أعمارهم، فمثلاً بدلاً من أن ترغمهم على كره فلان أو محبة فلان عليك أن توصل لهم مقاييس الصالح من الفاسد.. لا أن تفرض عليهم حب فلان وكره الآخر، ولعل هذا يظهر كثيراً بين أطفالنا..
فبينما كنت أستمع لطفلين يتناقشان سياسياً عن الوضع الراهن، فإحداهما يغني للنظام والآخر يلعن ويشتم وانتهت المشادات بحروب وكدمات وجروح ولا أنكر.. فلقد سمعتها من فم أحدهما فقال (أبي قلي كذا)، وكأن الأب يلقن ابنه الفكر السياسي ويطبعه كما يهوى.
يجب ألا ننسى أن أطفالنا أمانة في أعناقنا ومثلما أننا ملزمون بتوفير اللقمة النظيفة والسكن الآمن لهم، فنحن أيضاً ملزمون أن نغرس من الأفكار والمعتقدات ما تجعلهم يؤمنون أكثر ونبتعد عنهم عن التعبئة السياسية الخاطئة ولندعهم يعبرون كما يرون للواقع بأعينهم، لا كما ترى أعين أسرهم ولنثق بأن أطفالنا يحملون رسالة عظيمة للتغيير نحو يمن أفضل، بعيداً عن التهميش السياسي...