يعيش اليمن اليوم حالةً من الإحباط واليأس غير المسبوقين، إذ يجد الشعب نفسه في مواجهة مصيره وحيدًا دون قيادة مسؤولة تعي حجم التحديات التي تعصف بالبلاد. مجلس القيادة الرئاسي، الذي يفترض أن يكون الركيزة الأساسية لحماية اليمن ودعم صمود شعبه، بات مصدرًا لخيبة أمل عميقة، مع غياب أي خطوات جدية لمعالجة القضايا الوطنية والمآسي الإنسانية. هذا التخاذل المستمر لا يضع فقط شرعية المجلس على المحك، بل يهدد مستقبل الدولة اليمنية برمتها.
إن التخلي المتعمد أو غير المتعمد عن تحمل المسؤولية، كما ظهر جليًا في خذلان مقاومة قيفة وتركها تواجه وحدها عدوان الاحتلال الإيراني ومليشياته، يعكس عمق الأزمة في طبيعة عمل مجلس القيادة. فالمجلس لم يكتفِ بالصمت إزاء هذه القضية، بل امتد تجاهله ليشمل جميع الأزمات الوطنية، ما أوجد فراغًا خطيرًا في إدارة شؤون الدولة والمجتمع.
اليمنيون اليوم لا يسمعون عن أي موقف جدي للمجلس تجاه حرب الإبادة التي تُشن على شعبهم، ولا تجاه المعتقلين والمخفيين قسرًا، أو تجاه الانهيار الاقتصادي المتسارع. حتى القضايا التي تمسّ شرف الدولة وأمنها القومي، مثل استهداف الجيش ومحاصرته إلى درجة أن جنوده بالكاد يجدون التغذية الكافية ، لم تحرك ساكنًا لدى المجلس. بل إن تأخير صرف رواتب الجيش والجرحى والشهداء، وترك النازحين في العراء، والانقطاع المزمن في خدمات الكهرباء كماهو الحال في العاصمة عدن والرواتب المدنية، يعكس عدم اكتراث صارخ بمعاناة المواطن.
وفي وقتٍ يتزايد فيه إنشاء الكيانات المسلحة خارج إطار مؤسسات الدولة الشرعية، وتتعطل جهود توحيد هذه الكيانات ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، تبدو الدولة أقرب إلى التشرذم منها إلى البناء. الأكثر خطورة أن المجلس لم يتخذ موقفًا جادًا تجاه هذه التحديات، بل انغمس في سياسات تعزز الفوضى وتشرعن الاحتلال الإيراني والمليشيات التابعة له، مما يضع اليمنيين أمام خيار صعب: الاستمرار في التحمل أو تجاوز هذا المجلس وإيجاد بدائل حقيقية تنقله إلى مسار التحرر والبناء
ومع هذا الفراغ المتزايد، لم يعد الشعور بعدم جدوى دعوة مجلس القيادة لتحمل مسؤولياته مجرد انطباع شعبي، بل تحول إلى قناعة راسخة حتى لدى القوى الوطنية الفاعلة. هذا المجلس، الذي أخفق في مواجهة كل هذه التحديات، بات عبئًا يهدد بتفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة، وأصبح من الضروري أن تلتئم المكونات الوطنية ومؤسسات الدولة الفاعلة لتدارس هذا الفراغ وإيجاد حلول عملية لسدّه. إن التهاون مع هذا الواقع يعني فتح الباب أمام مزيد من التدهور والفراغ الذي حتما يستغله الأعداء لتعميق الانقسام والسيطرة.
إن الاستمرار في الرهان على مجلس قيادة أثبت عجزه وفشله لم يعد خيارًا منطقيًا أو ممكنًا. لقد بات واضحًا أن الدعوات المتكررة لتحمله مسؤولياته تذهب أدراج الرياح، ما يفرض على القوى الوطنية في الداخل، والمؤسسات الفاعلة، أن تتحرك سريعًا لتدارس خطورة هذا الفراغ القاتل. إذا استمرت هذه الحالة من التخاذل، فإن الشعب اليمني سيجد نفسه مضطرًا لتجاوز هذا المجلس كليًا والبحث عن بدائل تعيد للدولة توازنها وشرعيتها.
المرحلة المقبلة لا تتحمل المزيد من اللامبالاة، والمطلوب اليوم ليس فقط النقد، بل تحرك وطني جامع يحمي ما تبقى من كيان الدولة ويوقف نزيف التفكك. إن الشرعية ليست شعارًا يُرفع، بل مسؤولية تُمارس، ومن لا يتحملها لا مكان له في قيادة اليمن.