لا ننكر أن هناك إرثاً تاريخياً مشوهاً، يربط بين التغيير نحو الأحسن وبين الثورات والانقلابات، وهذا التأثير التاريخي نابع من التأثر بالثورة الفرنسية وشعاراتها الجميلة، وبالثورة الروسية الشيوعية وبثورات وانقلابات قديمة وحديثة في تاريخنا وهذا ما جعل كثيراً من الشباب يقتنع بأن التغيير نحو الأحسن يجب إن يبدأ بالثورة والعنف أو السلم وهو أفضل، وحتى أصبحت هذه من البديهيات الإصلاحية، ولكن هل كانت الثورة الشيوعية تغييراً نحو الأحسن أم أنها كانت تغييراً نحو الأسوأ بعد أن ثبت فشلها بعد سبعين سنة من التطبيق في روسيا؟
أما الثورة الفرنسية فقد كانت لها ايجابيات كبيرة وكذلك سلبيات كبيرة، فالثورة لا تؤدي بالضرورة للتغيير نحو الأحسن، ولو كانت كذلك لكانت أغلبية أنظمة الحكم في العالم عادلة ومثالية، لأن التغييرات السلمية موجودة في كثير من الدول، والسلم قد يؤدي إلى التغيير نحو الأحسن أو الأسوأ أو تبقى الأوضاع كما هي.
ومن الملاحظات أن هناك اقتناعاً بأن إزالة نظام حكم ظالم ستؤدي حتما إلى إيجاد نظام أفضل، وقد يكون ذلك راجعاً لفطرة الناس المتفائلة نحو الأفضل، فالحكم على تغيير عنيف أو سلمي بأنه إيجابي أو سلبي عملية تتطلب التعرف على حقائق كثيرة عقائدية وسياسية واجتماعية واقتصادية قبل التغيير وبعده وهذه من الأمور الصعبة لأن هناك أسراراً.
ونادراً ما نجد الموضوعية والعلم، فيما يكتب من آراء وكتب ودراسات، فكثير من التغييرات التي حدثت في عالمنا العربي لا زلنا مختلفين حول إيجابياتها وسلبياتها، ونحن بحاجة إلى رفض التسليم بأن هناك علاقة إجبارية بين التغيير نحو الأحسن وبين العنف.
وهناك أنواع للثورة، حيث تتخذ التغيرات السياسية التي تنتج عن قيام الثورات أشكالاً واتجاهات مختلفة؛ فالثورات الفرنسية والروسية والصينية قد أحدثت تغيرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية.
فالثورة الفرنسية عام 1789م، على سبيل المثال، قد أنهت حكم الملك لويس السادس عشر وحولت الحكم إلى نظام جمهوري، ورفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة، كما استندت إلى دستور ينص على حقوق الأفراد وواجباتهم، وأعلنت قيام دولة المؤسسات ممثلة في الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، مؤكدة على حق الأفراد في التنظيم وحريتهم في الاعتقاد.
وكذلك الثورة الروسية في عام 1917م التي لم تكتف بعزل القيصر، بل عملت على إحداث تغييرات اجتماعية أساسية، كإلغاء نظام الملكية الفردية.
وبشكل قريب من نموذج الثورة الروسية، قامت الثورة الشيوعية الصينية عام 1949م بانتزاع الأراضي من الإقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين، وحققت مجانية التعليم والعلاج.
في حين اتخذت الثورة الأميركية (1775- 1783م) طابع حركة التحرير الوطني إذ اكتفت بالمطالبة والنضال في سبيل الاستقلال من الحكم البريطاني دون إحداث تغييرات رئيسية في البنية الاجتماعية.
ويمكن أن نشير إلى دور العديد من الحركات السياسية في أميركا اللاتينية نموذجاً آخر من نماذج الثورات التي تمكنت من تغيير بعض الحكام المستبدين، دون أن يصاحب ذلك إحداث تغييرات أساسية في أنظمة الحكومة أو في البنية الاجتماعية للدولة.
ويطلق علماء السياسة على هذا النوع من الثورات ثورات ضد السلطة، لكونها ذات هدف محدود هو الإطاحة بالحكومة القائمة.
وفي عديد من الحالات تم انتقال هذه الثورات إلى مراحل أعلى، فتحولت إلى ثورات سياسية أو اجتماعية.
رمزي المضرحي
الفرق بين الثورات والانقلابات 2236