لاشك أن الصحوة العربية الإسلامية بكامل جوانبها, وطرق تعزيزها, وتناميها الملحوظ والمعلن عنه في الأوساط الشعبية والحكومية لا شك أنها عامل مهم في مسيرة هذا الدين الخالد, واستطاعت أن تؤثر في سير بعض قرارات الحكومات والنظم السياسية, وأصبحت ـ عند البعض والذين لا هم لهم سوى انهيار الكيان العربي والإسلامي ـ كابوساً مخيفاً على كل الأصعدة, وأصبحت عند البعض الآخر عاملاً مهماً لإشعال الفتن وتأجيج نار الحروب الأهلية, وبث روح التعنصر والتحزب وأكثر أصحاب هذا الطريق هم الذين يصطادون في الماء العكر, إلا أنها عند علماء المسلمين والدعاة وطلبة العلم والكثير من المسلمين والذين ينتظرون عودة الإسلام بكامل حضوره وعزه ومجده سلاحاً فتاكاً ضد أهل النفاق والاستعمار والعلمنة، وحلاً مناسباً مع ما يشوبها من أخطاء وتجاوزات في أن يسمع العالم صوت الإسلام, وأن يدرك معنى سموه وعلوه على غيره من الأديان.
ولعل ذلك يجرني لأن أذكر أهم سبب في ظهور ما يسمى بالصحوة العربية الإسلامية وهو أن المتأمل في تاريخ هذه الأمة منذ بزوغ فجرها من بين جبال مكة وحتى أصبح الآن من الصين إلى الصين هو انسحاب أصحابه من ميادين الحياة ومن ثم تقديم التنازلات عن قيادة العالم, وإمامة الأمم, وأيضاً تكالب الأعداء عليه وتماشي أهله مع الفكر الغربي باسم الحرية والديمقراطية وتقارب الأديان, وتفريطهم في الدين والدنيا, وجنايتهم على أنفسهم وبني نوعهم, واتخاذهم القرآن مهجوراً, وافتتانهم بالمال وشغفهم بجمعه وادخاره.
فأصبحت أي (الصحوة) نوراً يطلع من بين دياجير الظلام, وفرجاً من بين أحلك الكروب, ويسراً بعد عسرٍ طالما شكت الأمة منه فمن فتنة الخوارج وحتى حرب المغول إلى الحروب الصليبية إلى تمزيق التتار للإمبراطورية الإسلامية الأخيرة إلى تفشي الأفكار الشيوعية والرأسمالية إلى ظهور العلمانية وتبجح أهلها بقولهم ( مال الله لله ومال قيصر لقيصر), وحتى بغي أمريكا وتكبرها وقولها ( من أشد منا قوة ) إضافة إلى ما تخللها من مصائب وأزمات في هذا العالم , وسم يراق في فم هذه الأمة والتي ما إن تشفى منه حتى يراق في فمها سم آخر كل هذه الحقائق نورت الكثير من العقول وأنارت الكثير من الدروب المظلمة والتي طالما عاشت القهر والاستبداد والاحتلال مما دفعها للبحث عن منقذ.
يقول الندوي رحمه الله " ولا يغيب عن البال أن الدين لم يزل طول هذه المدة حياً محفوظاً من التحريف والتبديل, ولم يزل عالياً، وضوءه مشرق ولم يزل الكتاب والسنة يبعثان في نفوس القراء ثورة على الشك والبدع, وعلى الجهالة والضلالة, وثورة على أخلاق الجاهلية وعوائدها, وثورة على ترف المترفين واستبداد الملوك, ولم يزل ينهض بتأثيرهما في كل دور من أدوار التاريخ الإسلامي, وفي كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي رجال يقومون في هذه الأمة على طريقة الأنبياء, يجدِّدون لها أمر دينها, وينفخون فيها روح الجهاد, ويفتحون لها باب الاجتهاد, ويسعون لإقامة حكومة عربية إسلامية عادلة على منهاج الخلافة الراشدة, فمنهم من استشهد في هذه السبيل, ومنهم من استطاع أن يمثل دوراً قصيراً يذكر بالخلافة الراشدة, وهم مصداق الحديث :"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ", فتاريخ الجهاد والتجديد في الإسلام متصل لا تقطعه فترة, ومشاعل الإصلاح متسلسلة بعضها من بعض لم تطفئها العواصف" . أنظر ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.
رمزي المضرحي
سبب ظهور الصحوة العربية 2080