ما يشهده الصومال من جفاف وانتشار للفقر والجوع اللذين يوصلان آلاف البشر إلى الموت هو نتيجة حتمية لحالة الفوضى وانفلات الوضع وغياب الدولة بعد أن تفشت عصابات ومليشيات الأمر الواقع في الصومال وانتشار «أمراء الحرب» الذين يرفعون شعارات دينية لا علاقة لها بالدين الذي يحض على تهذيب النفوس؛ حيث القتل والدمار والتوحش، بل حتى يمنعون الآخرين من مساعدة إخوتهم كما تفعل مليشيات الأمر الواقع في الصومال الآن.
تقول "كارلا فرينتسن" في تقرير لها من أديس أبابا: إن الوضع في الصومال الآن يكرر حالة نمطية؛ فعندما ظهرت الصور المؤلمة لأطفال يحتضرون على شاشات التلفاز عام 1994 كانت الحرب بين الديكتاتور الشيوعي "مانجستو هيلا مريام" والجماعات المتمردة قد بلغت ذروتها، وفيما يشبه ما يجري اليوم في أنحاء عدة من الصومال ساد الرعب في أثيوبيا وقُتل آلاف المعارضين بشكل وحشي. وكانت آخر أزمة غذاء في الصومال قد وقعت عام 1992 عندما انزلقت البلاد في مستنقع الفوضى عقب سقوط الديكتاتور سياد بري.
واليوم تحاول حركة الشباب منذ سنوات إقامة دولة إسلامية في الجزء الجنوبي من البلاد، حيث تواصل القتال ضد الحكومة الانتقالية في مقديشو دون الاكتراث بالشعب الصومالي، وإذا لم تهطل الأمطار من السماء كما كان الحال مؤخراً فلن يكون أمام الرعاة البدو أي خيار سوى أن ينتقلوا بدوابهم إلى أنحاء أخرى من البلاد، لكن التنقل في مثل هذا البلد المدمَّر ليس أمراً خطراً فحسب، بل إنه من الأمور شبه المستحيلة، وإضافة إلى ذلك منعت حركة الشباب المساعدات الدولية لسنوات من الوصول إلى المناطق الأكثر تضرراً؛ حيث ترى الحركة أن المنظمات الغربية تستخدم تلك المساعدات لأغراض سياسية.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن «القتال والمعوقات الإدارية والقيود السياسية» تحول دون قيامهم بتوصيل المساعدات الضرورية، وبدلاً من إيصال المساعدات تقوم الميلشيا باستغلال نفوذها لنشر الخوف والرعب.
وقالت جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة إن المتمردين قطعوا رؤوس الرعاة الذين لم يرغبوا في تسليم حيواناتهم القليلة المتبقية، وقال أولريش ديليوس، المتحدث باسم المنظمة في إفريقيا: «إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل أكثر التزاماً من أجل السلام في هذا البلد المطحون فإن عشرات الآلاف من الصوماليين سيموتون خلال الأشهر الستة المقبلة، و لا تكفي المساعدة في محاربة الجوع في منع الموت على نطاق واسع في الصومال، ولم يكن أمراً مفاجئاً أن تعلن الأمم المتحدة مؤخراً حدوث مجاعة في منطقتين من المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب جنوبي الصومال، هما «باكول» و»شابيل السفلى».
وفي تقرير حديث ذكرت منظمة العفو الدولية كيف يعاني الأطفال والشباب بشكل خاص العنف القسري من متمردي حركة الشباب، فمن لم يفقد حياته جوعاً يواجه احتمال أن يتم تجنيده ضمن الأطفال المقاتلين أو الانتحاريين أو بالنسبة للفتيات أن تصبحن زوجات لمقاتلي الشباب رغماً عنهن، ومثل أي كتاب يضم سبعة فصول لا يعرف مضمونها فإن قصة الصومال ومستقبله غير معروفين إلى حد كبير، ولكن الشيء الوحيد المؤكد هو أنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء في وقت قريب فإن عدداً لا يحصى من الناس سيموتون عند انتهاء الفصل الحالي.
هذه الحالة التي تتكرر في القرن الإفريقي تنمو حالياً في مناطق أخرى إن لم تعالَج أوضاعها بسرعة، وخصوصاً في اليمن وليبيا، فأينما تنتشر الحروب تؤسَّس مكامن الكوارث..!
الجزيرة السعودية
جاسر الجاسر
كارثة الصومال ستتكرر إن لم نعالج أوضاع اليمن وليبيا 2679