لا تكن الشاة أعقل منك، فالشاة إذا رأت المرعى الجيد وهي في مكان جدب تركت الجدب، واتجهت للمكان الأفضل، إنها تختار الاختيار الصحيح، وتذهب للمرعى الجيد، ولا تأسف على المرعى الرديء.
إنني أتعجب ويعجب معي كل عاقل من هؤلاء المؤيدين للنظام، وهو يسحقهم، ويسومهم سوء العذاب، صدق الله العظيم: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (123) سورة النساء، ولذلك من أعان ظالما جوزي بتسليطه عليه، وأول من يجازى بسيئة الظالم مناصروه، يعاقبون بالظلم ولا ينالون من خيره شيئاً، فهم يقتلون ويقتلون لينعم الظالمون في قصورهم، وهو يدخل الجند والوطن قبورهم.
إن الغلاء يصيبنا جميعاً، ومؤيدو النظام ممن يقع عليهم غلاء الأسعار وضيق الأحوال ونقص الأموال وخوف الأنفس، فالذين يؤيدون النظام ترسل القذائف من فوق بيوتهم وتفزع أطفالهم، وتنقطع عنهم الكهرباء، ولا يوجد في العاصمة ماء، العاصمة فقيرة من كل مقومات مدينة عادية، فكيف بها وهي العاصمة.
إن الشاة تنظر مكان الرعي الأفضل، فتسير بجهدها نحوه، وأنتم تتمسكون بالجدب، وتصرون على البقاء في المعاناة، ماذا يصنع بكم وبالوطن وبالحياة والأحياء أكثر مما قد صنع ويصنع، الدم وسفكه، النفس وقتلها، الحرمات وانتهكها، البيوت وهدمها، الآبار وقصفها، الأطفال ويتمهم، الزوجات ورملهن، البلاد وأصبحت مرتهنة للسفير الأمريكي والسفير السعودي، الاقتصاد منهار، إن مرتبك لا يكفيك قوتا لعيالك، الوظيفة صارت له ولأقاربه، الطب لا يوجد فلم يصنع حتى مستشفى يعالج نفسه فيه، وسألت نفسي لماذا ذلك فوجدت الإجابة في قول الله تعالى : {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى} (17) سورة فصلت.
محاكمة مبارك:
لم يتعظ مبارك بابن علي، فيدع مصر وشأنها كما فعل بن علي، وإنما أصر على البقاء، فعوقب بالمحاكمة، وصالح ماذا ينتظره عند الله إذا لم يتعظ مما وقع لمبارك، لا تظنوا أن الله لا يحصي أعمالكم، ولا تحسبوا أنفسكم تعجزون الله ولن نعجزه هرباً، ولا تستكثروا على أنفسكم إمهال الله لكم، فإن الله يمهل ولا يهمل، وإذا أخذ الظالم لم يفلته.
إن الله تعالى يقول: {وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (48) سورة الزخرف. فإذا كان زوال ملك النظام البوليسي الشديد في تونس آية، ولم يتعظ مبارك فجعله الله سبحانه آية أكبر المحاكمة، بعد استلاب الملك، فإن علي صالح سيكون الآية به أكبر إلا أن يراجع نفسه ويتوب، فهل يفعلها ويتعظ، أم لا يوفق لذلك؟.. الأيام ستبدي ذلك، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
د. محمد عبدالله الحاوري
لا تكن الشاة أعقل منك 1951