كتب الكثيرون روايتهم عن زلزال فتح دمشق، اقترب بعضهم من الحقيقة، وحاد آخرون عنها، وبغض النظر عن الدوافع والحوافز والبواعث لكل واحد، إلاّ أن بعض الأصدقاء المؤيدين للثورة السورية في عصر المغرم قبل المغنم، دفعوني وشجعوني على تدوين الرواية، فالإعلام الاجتماعي اليوم بات هو الذي يكتب التاريخ، بغض النظر عن صحة أو سقم ذلك، والغياب عن هذه المنصات اليوم ربما سيحرم الأجيال من السرديات التي لم تُكتب في حينه، لاسيما وأن مصدر الجيل الحالي غدا هذه المنصات السريعة، فلا ينتظر كتاباً ولا حتى مجلة أحياناً.
لم تبدأ قصة فتح دمشق لدى أحمد الشرع الموصوف بالجولاني يوم السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، بل تعود القصة إلى ما قبل الثورة السورية بسنوات، وذلك أيام سجنه في بوكا بالعراق ولقائه مع أسامة نموره أبي عمر سراقب، الذي لم يكن من سراقب وإنما من إدلب، حيث شجعه الأخير على أن إدلب بجغرافيتها وديمغرافيتها وطبيعة محافظتها ربما تكون أنسب المحافظات السورية للعمل الجهادي، وقد اقتنع الجولاني بذلك، واتفقا في حال خروجهما من السجن أن يلتقيا في إدلب، وقد كان هذا بعد اندلاع الثورة السورية.
وكي لا نحيد عن الموضوع، من المهم التنويه عن شخصية أبي عمر سراقب الذي كان قائداً لجيش الفتح الذي تمكن من فتح مدينة إدلب في مايو/ أيار من عام 2015، والذي كان محبوباً من معظم الفصائل قبل أن يتم اغيتاله بطائرة أمريكية دون طيار بعد عام تقريباً على فتح إدلب، ويعتبر الجولاني مقتله حينه أكبر خسارة تعرض لها خلال فترة الجهاد ضد نظام الأسد وسدنته المحتلين الروسي والإيراني، وذلك لطبيعة شخصيته العسكرية القيادية المتميزة، وهو التوصيف الذي يتفق عليه معظم قادة الفصائل الذين تحدثت إليهم عن شخصية أبي عمر رحمه الله.
تسمّى الجولاني بالفاتح تيمناً بفتح دمشق، وطوال تلك السنوات لم يملّ من تكرار فتح دمشق، وشغفه وحبه لها، وتأثراً بالفاتح صلاح الدين الأيوبي لدمشق ومصر وبيت المقدس، سعى إلى توحيد الجهود العسكرية والسياسية في المناطق المحررة، فكانت وجهته في البداية التوحيد الإقناعي، وقد وصل إلى درجات مهمة في ذلك، حيث استعد إلى عرض منصب قائد هيئة تحرير الشام على أحرار الشام، والتراجع إلى الخلف، ولكن بعد أن وافقت قيادة أحرار الشام تراجعت، ومضى بخطته في توحيد الفضائل من فتح الشام التي يقودها، وجماعة الزنكي وجيش الأحرار وأنصار الدين وجيش السنة ولواء الحق.
لم تطلْ تلك المرحلة كثيراً، فقد بدأت المعارك مع أحرار الشام، وبغض النظر عن ملابسات تلك المرحلة، ولكن سعى بعد معارك ثلاث، كانت آخر تلك المعارك معركة السبعين يوماً وتخللتها معارك مع الزنكي الذي حاول أن ينشق عن التشكيل الجديد، فكانت النتيجة أن برز الجولاني كقوة عسكرية واحدة في الشمال المحرر، ومعها أعادت قيادة الأحرار التي كان يقودها حسن صوفان الخارج حديثاً من سجن صيدنايا قرارها، فاقتنعت بمشروع الجولاني من التوحد، فكان التغير الكبير من قتال بالأمس إلى قناعة بالمشروع اليوم.
لا زلت أعتقد أن الحدث الأكثر تميزاً في الساحة الشامية يومها، وربما على ساحة العمل السياسي الحديث، حالة التجرد غير المسبوقة لأحرار الشام، يوم ضغطت على جراحاتها كلها، فقررت الدخول بمشروع الجولاني راضية مختارة، بل ومدافعة عنه، وهي التي قاتلته في ثلاث جولات، إذ اقتنعت قادة الأحرار من أمثال حسن صوفان وعامر الشيخ وأحمد الدالاتي بالرجل، ومشروعه، في ظل غياب الآخرين إلى المشروع. بايعت قيادة الأحرار الجولاني، بينما استعصمت قيادات الأحرار السابقة برفض ذلك والإصرار على معاداة الجولاني، مفتقرة إلى التأثير على الأرض.
وظلت قيادة هيئة تحرير الشام ومعها قيادة أحرار الشام، تتعرض للاتهامات والسباب والشتائم، ومعها كل من يؤيدها أو يصمت عنها طوال تلك الفترة إلى فتح دمشق، ولكن مع هذا كان الإصرار على المشروع ودعمه أكثر ما يميز هذا المعسكر غير آبه بكل ما يُقال مما ينال من الذات والعرض والدين والقيم..