حادثة تاريخية هزت الزعماء والملوك والأمراء العرب والمسلمين لم تحدث في تاريخ أجدادنا ولم يسمعها أو يشاهدها آباؤنا ولم يتوقعها شبابنا, ولكنها أثارت ارتياحاً هائلاً عند المظلومين والأحرار ومثقفي شباب العرب, وهيجت التخلف العاطفي عند الكثيرين وخاصة في اليمن, الذين يتعاملون مع الحقوق والحدود بالعاطفة لا الحق والعدل وهذا ما يشجع حكامنا ومسؤولينا على التمادي في طغيانهم وظلمهم.
وما شدني إلى هذه الموضوع هو غيظي واستنكاري من تصرفات بعض الأصدقاء وأغلبية كبيرة من الشباب المتخلفين الذين عبروا عن محاكمة الطاغية "حسني مبارك ونجليه " باستياء وحزن وشفقة مفرطة وغبية, فكيف يحاكم وهو رئيس -حد قولهم- وهذا هو سبب الفساد والظلم الذي يمتطي عليه حكامنا، فيالها من عدالة وإنصاف يا مصر.
ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر، وفي لهيب الشمس وسموم الحر، يستطلب الظل وتستجلب النفحات، وما أروع العدل حين يطغى الجور، والإنصاف حين يعلو الغمط! .
إن سنة المصطفى هي المنبع الثر للهدى والحق والنور، وهي المعين الذي لا ينضب، والحق الذي لا يعطب، وإن الوقوف الدقيق عند حديث رسول الله المنبعث من مشكاة النبوة، ليحمل النفس المؤمنة، على أن تعرف أسراره، وتستضيء بأنواره، فلا ينفك، يشرح النفس ويهديها بهديه، فتؤمن بالنبي المصطفى والرسول المجتبى ، وكلما ذكر كلام المصطفى فكأنما قيل من فمه للتو، كلام صريح، لا فلسفة فيه، يغلب الأثرة والشهوة والطمع.
عن حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق، بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))، ما أحوجنا جميعاً، إلى أن نستظل في ظل الرحمن، في يوم عصيب يعظم فيه الخطب، ويشتد فيه الكرب، يوم أن تدنو الشمس من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، رُحماك يا رب، عفوك يا الله.في هذا الشهر الكريم .
ألا ما أحوج الأمة العربية والمسلمة، في كل عصر وفي كل مصر، إلى الإمام العادل، وهو صاحب الولاية العظمى، وكذا كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه.
الرعية عبيد، يتعبدهم العدل، العدل مألوف وهو صلاح العالم.
الإمام العادل، هو الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه، من غير إفراط ولا تفريط، فهو أبو الرعية، والرعية أبناؤه، يعلم جاهلهم، ويواسي فقيرهم، ويعالج مريضهم، يرى القوي ضعيفا حتى يأخذ الحق منه، والضعيف غِطريفا حتى يأخذ الحق له.
وإن تحقيق العدل، أمام الرغبات، والمصالح والأهواء، أمر في غاية الصعوبة؛ إذ حلاوته مرة، وسهولته صعبة، وحينما يستطيع المرء تخطي تلك العقبات، كان معنى ذلك، أن فيه من الإيمان والتقوى ما يجعله مستحقا لأن يكون واحدا من هؤلاء السبعة.
ولقد ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، فأرسل إلى الحسن البصري، أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فكان مما كتب له الحسن: (أعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل، قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وهو كالراعي الشفيق على إبله، الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويُكِنّها من أذى الحر والقر، وهو كالأم الشفيقة، والبرة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، والإمام العادل يا أمير المؤمنين، وصي اليتامى، وخازن المساكين، وهو كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده . اللهم أظلنا في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك).
فأين حكامنا من عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم من الصحابة والخلفاء ,بل اين الشعوب التي تعي حقوقها ودينها وترفض الظلم والمحاباة والوساطات والمحسوبيات ووو..الخ.
إخواني القراء من محاكمة مبارك وأركان نظامه الغاصب يجب إن تعلموا إنكم على شفى أمتار من الدولة العادلة والحق المفقود سابقا لذا علينا إن نتفاءل بغدٍ مشرق يسوده العدل والأمان والتطور والعلو .
وأخيراً: يقال إن الدولة -العادلة تبقى وإن كانت كافرة، وإن الدولة الظالمة تفنى وإن كانت مسلمة.
رمزي المضرحي
العدالة الإلهية في أرض الكنانة.. والعاطفة المتخلفة عندنا 2040