ميزة الصديق وقت الضيق أنك تجده وقت الشدة واقفاً إلى جانبك، يعينك على نوائب الدهر، يخفف عنك الأحزان، تجده حين يغيب عنك الناس، يبذل جهده وإذا تطلب الأمر ماله ليخرجك من أزمتك، يكون سندك في الملمات، ويشعرك بأن مع العسر يسراً ويذكرك بالله تعالى.
هذه بعض مميزات الصديق الصادق الصدوق، ويا سعد من كان له مثل هذه الأصناف النادرة في واقعنا اليوم الذي طغت عليه المادة على ما سواها، وتفككت فيه الروابط الاجتماعية أو تراخت، وأصبح فيه الإنسان يقاس بما يملك من حطام الدنيا وليس بما يقدمه من فائدة للمجتمع، لكن صحراء الحياة مهما كانت قاحلة فلابد أن يجد الإنسان فيها موطئاً ما مودق ومثمر ويانع.
مررت بموقف صعب حين كنت أحد نازحي محافظة أبين إلى عدن، كنت أبحث عن سكن آوي إليه، يلم شعث أسرتي حين أصبحت بعيداً عن موطني ومسقط رأسي، أعياني البحث وأرهق أسرتي الترحال والتنقل من منزل قريب إلى منزل صديق، لكن العيش في بيوت الآخرين له تبعاته مهما كانوا أقرباء، وقد مررت بالكثير من تلك التبعات، وحين وجدت السكن كان الإيجار باهظاً، اتصلت ببعض أقربائي وبعض أصدقائي طالباً "سلفة" إلى مسيرة، لكن كل واحد منهم كان يردني خائباً وكان أفضلهم الذي اعتذر لي بلطف.
تذكرت صديقين عزيزين تعرفت عليهما في سالف الزمان من خلال المسجد، وكانت علاقتي بهما بالحب في الله بعيداً عن العلاقات النفعية سياسية كانت أو حزبية أو حتى قبلية، لكنني ترددت كثيراً في الاتصال بهما حرجاً مما أصبحت فيه من وضع اضطرني إلى هذا الموقف، أرسلت رسالة هاتفية للأول "أنا بحاجة ماسة إلى سلفة مبلغ......" وما هي إلا لحظات حتى اتصل بي ذلك الصديق طالباً تحديد مكاني وأنه جاهز بالمبلغ المطلوب وأكثر، قلت له فرج الله همك، سآتيك أنا، فأصر على أن يأتيني هو وجاءني في الوقت المحدد وسلمني ظرفاً به المبلغ واستحلفني بالله إن احتجت شيئاً أن اتصل به دون تردد وسيكون جاهزاً، أليس هذا أخ لي لم تلده أمي؟!.. إنه الصديق الصادق الصدوق/ زيد سيف علوي.
أما الصديق الثاني، فقد وجدته صدفة قدرية وشرحت له حالي وما آل إليه وضعي حين خرجت بأسرتي بملابسنا التي على أجسادنا، وما هي إلا ساعات حتى جاءني ببعض مقتنيات المنزل التي كنت في أمس الحاجة لها، أليس هذا هو أخ ثانٍ لي لم تلده أمي؟ إنه الأخ الفاضل/ عبده علي سعيد.
أما الشاب الخلوق/ محمد عبدالملك، فقد كان نعم المعين على نوائب الدهر وكذلك "الخالدان" في الجنة إن شاء الله، خالد حيدان وخالد سامي، لهما معي مواقف أخوية لا تنسى، فشكراً لهم جميعاً ولكل من وقف معنا في محنتنا.
* قطعاً ليست العبرة بالمادة، فالعلاقات الاجتماعية الإنسانية لا تقاس بالمادة، لأنها مجرد وسيلة وليست هدفاً، لكن العبرة حقاً بمدى صدق مشاعر الصداقة ووفاء الأصدقاء، وما أكثر الأصحاب حين تعدهم، لكنهم في النائبات قليلُ.
منصور بلعيدي
يوميات نازح.. الصديق وقت الضيق 2689