حين وصلت من أبين إلى عدن نازحاً ضمن أفواج النازحين يممت وجهي شطر المدينة الخضراء شمال مدينة الشيخ عثمان بمحافظة عدن لأسكن ضيفاً، عند أحد أقاربي لبعض الوقت ربما أدبر أمري وكان قريبي ميسور الحال.. استقبلنا "قريبي" بترحاب ومكثنا عنده أربعة أيام فقط في منزله المكون من طابقين أحدهما خال تماماً، لكننا خرجنا من عنده شبه مطرودين!!.
كان رجلاً طيباً لكنه لا يملك من أمره شيئاً.. استطاعت زوجه أن تكشر سراً في بادئ الأمر ثم تحول إلى جهراً وفي مرحلته الثالثة صار طرداً لنا بحجة أنهم مسافرون إلى الخارج.. ونسيت تلك المرأة المغرورة أو تناست كم كانت تمكث الأسابيع الطوال في منزلنا بزنجبار حين كان زوجها يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة ولا يملك بيتاً بل عشة متواضعة في القرية.. وفوق ذلك فقد وضعت تلك المرأة جنينها البكر في منزلها وهو الذي استخدمته وسيلة لطردنا من منزلها علناً في محاولة رعناء لكسر كبريائنا.. إيه يا زمن كم تغير بعض الناس كثيراً حين ابتسم لهم القدر.. ولكن ليس الحكم عاماً فهناك من لازال معدنهم ثابتاً لم يتأثر بعوامل التعرية رغم كثرة ضغوطها عليهم. كان هذا حال أرملة من أقربائي لم تمنعها صعوبة الحياة وفقدان الأنيس وتفرق الأبناء من حولها من الترحيب بنا بتلقائية وأسكنتنا معها في منزلها المتواضع في مدينة القلوعة بمحافظة عدن وتعاملت معنا بمنتهى الطيبة بل وساهمت في إرشادنا إلى كيفية البحث عن سكن حين أصررنا على ذلك رغم توسلاتها لنا أن نبقى في منزلها حتى تنفرج الأزمة.
كم هو شاسع الفرق بين النموذجين. وكلاهما امرأة.. علماً أن هذه المرأة الفاضلة ليست مدانة لنا بأي أفضال في ماض الزمان حتى ترد لنا الجميل.. لا بل كانت لها يد بيضاء علينا في سالف الزمان.. ولكنها امرأة أصيلة في زمن تراخت فيه الأصالة لدى البعض، وغرقوا في بحر المعاصرة حتى الأذنين "والله يجازي الذي كان السبب"..
منصور بلعيدي
معادن الناس .... 2120