لقد رفعت الشريعة الإسلامية قيمة الإنسان فوق كل المقدسات، فقال تبارك وتعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) [الإسراء:70].
وكيف لا يكون مكرماً وفيه نفخة علوية من روح الله تعالى: (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
ولا ننسى ذلك الموقف الخالد أثناء حجة الوادع ،حيث أشار سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الكعبة وهي ما هي، وما تمثله في قلوب المسلمين ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ما أعظمك وما أعظم حرمتك وللمؤن أعظم حرمة عند الله منك".
بل لقد جعل الإسلام من أهم حقوق الإنسان الأساسية حق الحياة، وقد أحاط الإسلام حق الحياة بسياج منيع من الحرمة، وجعل حياة الإنسان مقدسة، لا يجوز لأحدٍ أن يعتدي عليها، وإذا كان الصكوك الدولية تعتبر قتل النفس البشرية بغير حق بمثابة جريمة فردية فحسب، فإن الإسلام يرفع هذا الجرم إلى درجة العدوان على النوع البشري بأسره (1)، قال تعالى: ((من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) [المائدة:32].
فضلاً عن أن العدوان بالقتل على فرد جريمة فردية في القانون، هو أيضاً بمثابة جريمة جماعية في الأخلاق، فكان مرتكب هذه الجريمة يصادم الحكمة الإلهية بتمتعه بحق الحياة وبالقدر نفسه، فإن من ييسر سبل الحياة، ويؤمن فرص استمرارها، ولو لفرد واحد، كأنه أتاح هذا الحق المجيد للإنسانية جمعاء، وذلك عن معرفة بقدسية هذا الحق كهبة إلهية، ونعمة ربانية للإنسان بغير استثناء(2).
وفي الإسلام، لا يقتصر حق الحياة على الاستمرار المجرد للحياة، وإنما إلى تأمين الحياة الكريمة للإنسان، وذلك بسعى الدولة لتوفير حد الكفاية من المعيشة لسائر الأفراد والمجموعات ومعلوم أم حد الكفاية من حد الكفاف". (3)
ويعد القتل بغير حق من أخطر الجرائم التي تهز كيان البشرية وهم محرم بالكتاب والسنة والاجماع، فمن الكتاب قوله تعالى: ((ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)) [الإسراء:33]، وقوله تعالى: ((ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)) [النساء:93].
* حرمة دم المسلم:
يقول تعالى واصفاً عباد الرحمن: ((والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثماً)) [الفرقان:68]، أنهم لا يقدمون على اقتراف جريمة القتل أصلاً، لعلمهم بحرمة الدماء بشكل عام، وخاصة دماء المسلمين، ولا يلوثون أيديهم بمثل هذه الدماء البريئة. (4)
أما الأحاديث التي حرم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، دم المسلم فهي كثيرة نذكر منها حديث عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه والذي قال فيه:
"قال رجل: يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: "أن تدعو لله نداً وهو خلقك"، قال: ثم أي؟ قال: "ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، قال ثم أي: قال: "أن تزاني حليلة جارك"، فأنزل الله عز وجل تصديقها "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر .. إلى آخر الأية". (5)، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً". (6)
يقول الإمام ابن العربي: "الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت، لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة، حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول".
وعدم قبول توبة القاتل هو رأي الصحابي الجليل ابن عمر ـ رضي الله عنهما، وإن كان له معارضاً لحديث قاتل التسعة والتسعين رجلاً، ولكن الشاهد هاهنا هو إيراد معنى "الفسحة في الدين". (7)، وكذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا". (8)
وعن انس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور ، أو قال وشهادة الزور" (9)
وعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله وسلم، يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا من مات مشركاً، أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً"(10)
وعن معاوية ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمداً أو الرجل يموت كافراً" (1).
وعن عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله وسلم، قال: "لزوال الدنيا أهون عندالله من قتل رجل مسلم" (12)
وعن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله وسلم قال: "يجئ الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول: يا رب هذا قتلني، فيقول الله له لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، ويجئ الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول: إن هذا قتلني فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان: فيقول إنها ليست لفلان فيبوء بإثمه"(13)
وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ....... كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" (14)
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال أبوالقاسم صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه" (15)، وعن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "أول ما يقضي بين الناس في الدماء (16) ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله".(17) والورطات "جمع ورطة بسكون الراء، وهي الهلاك".
وعن أبي هريرة وأبي سعيد ـ رضي الله عنهما ـ أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمنٍ لأكبهم الله في النار" (18)
وهذا يدل على عظم دم المؤمن عندالله، وأنه يعادل عند الله تعالى إلقاء كل أهل الأرض والسماء في النار، إذا اشتركوا معاً في جريمة قتل مؤمن بريء.
كل هذه الأحاديث وغيرها تدل على خطورة الأمر وفظاعته، وعظيم هذه الجريمة عندالله تعالى، وأن هذه الآيات البينات والأحاديث لا يمكن أن تعارض بكلام بشر، أو بتأويلات لا ترقي لوضوح هذه الآيات والأحاديث (19).
* ضحايا التعبئة الخاطئة:
بعد تلك التواطئ حول القتل وحرمة النفس الإنسانية في الإسلام إلا بالاستثناءات التي حددها والتي سنأتي على ذكرها في سياق حديثنا عن بشاعة جريمة قتل النفس المحرمة.
هنا سؤال أطرحه على جلاوزة الظلمة، ومن يمارسون قتل الأبرياء في ساحات وميادين الحرية والتغيير في مختلف المدن اليمنية، ويمارسون التعدي على الآمنين إلى منازلهم وبيوتهم، وقتلهم فوق المركبات وعلى الطرقات، فأقول ماذا سيجيب عتاولة القتل والدمار، خالق الأكوان عز وجل عندما يسألهم يوم القيامة، يوم الموقف العظيم عن قناصيهم الذين صوبوا رصاصات الغدر إلى أجساد العزل من المسلمين؟!
شباب كل جريرتهم أنهم خرجوا للمطالبة بالحقوق وتغيير المنكر الذي طال الشجر والحجر في هذه البلاد، فإذا برصاصات الغدر والخسة والخيانة والنذالة تأتيهم، تأتي لهم من إخوانهم اليمنيين، المسلمين بأسمائهم وليس بقلوبهم، ومن المؤكد أن ذلك تم ويتم بعلم القتلة الكبار والأشاوش الأقذار، فماذا سيجيب هؤلاء على سؤال القاهر العادل بأي ذنب قتل هؤلاء العزل؟! وما ذنب أطفال تعز وأرحب ونهم والحيمة والحصبة والجوف الذين مزقتهم قذائف "حماة الجلاوزة" إلى أشلاءٍ وهدمت منازلهم فوق رؤوسهم؟!.
بل كيف سينظر هؤلاء القتلة المأجورون من المغرر بهم يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ـ إلى وجه الشباب الذين قتلوا في جمعة الكرامة وفي جمعة الحسم، وفي ساحة الحرية بتعز يوم المحرقة، وأمام ملعب الثورة، وأما رئاسة الوزراء "خلف بنك الدم" في صنعاء وفي كل مكان؟!
هل سيقولون لرب العالمين أنهم حماة الوطن والمواطنين؟! أم حماة الشرعية الدستورية التي تبيح سفك دماء الأبرياء وإزهاق الأرواح؟ أم أنهم سيجبون بغير ذلك؟!
كم هي الحقيقة رخيصة ومبتذلة في وعيهم عندما يسفكون دم الجياع الذين يبحثون عن حياة كريمة؟!.
إن الذين يتحدثون عن كسرة الأمان وحماية المؤسسات والسكينة المفقودة أين هو الأمان الذي صنعوه؟ أهو قتل الناس إلى الطرقات والمنازل والمساجد بل وعلى فرش النوم؟ وهل هذه المؤسسات التي لو كانت ملكاً للشعب لما أصبحت مبرراً واهياً لقتله وتشريده؟!
ولما تحول الدفاع عنها إلى مبرراً واهياً لنشر ثقافة القتل والدمار على الطريقة الأميركية في العراق، يريدون تحرير اليمن من اليمني، لأنها في وعيهم الزائف ساحة للارتهان والعمالة، وليس وطناً للجميع كما يتشدقون.
لقد تحولت المؤسسة العسكرية التي كانت عشمنا فيها أنها مؤسسة تتبع اليمن وتتبع الوطن اليمني وتحمي أمنه وتصون أبنائه ومقدراته، لكنها تحولت عن ذلك وحادت عن مهامها الأصلية وتحولت إلى مؤسسة عائلية بامتياز برغم أن دستور الجمهورية اليمنية يقول إنها مؤسسة وطنية، لكن الواقع يكذب الدستور.
لقد كان من أهم الأسس التي قامت عليها الوحدة اليمنية في العام 1990م أن يكون الجيش وطنياً وليس عائلياً، أو ملكاً لفئة جعلت من المؤسسة العسكرية عصابة مسلحة شكلت عبئاً على اليمن واليمنيين؟!
وبالتالي إذا كان للإرهاب مكاناً أو عنواناً فهو في الحقيقة والواقع هي تلك العصابة التي تحولت من حامية وطن إلى قاتلة مواطنين.
لقد دخلت اليمن مرحلة البؤس والشقاء والحرمان بفعل ما تقوم به وتمارسه تلك العصابة، التي تتكئ على نشر ثقافة التعبئة الخاطئة في أوساط المنتسبين للمؤسسة العسكرية وصورت لهم لفعل آليات التضليل وأساليب التجويع والتعبئة التي تتبعها أنهم يقاتلون " التتار ـ والمغول ـ والصهاينة" وليسوا إخوانهم العزل الذين خرجوا ثأراً لكرامتهم المنتهكة وحقوقهم المسلوبة.
وهكذا استطاعت العصابة الجاثمة على صدر هذا الشعب 33 عاماً إقناع إخواننا في القوات المسلحة والأمن أن هناك مؤامرة خارجية تستهدف أمن الوطن واستقراره، وأن تنفيذها يتم بأيادٍ داخلية، وتقصد بالأيادي الداخلية "الشباب العزل" الذين يتلقون رصاصات الموت بصدورهم العارية .
فصدق أولئك المساكين من أبناءنا وإخواننا في القوات المسلحة والأمن تلك الافتراءات والأكاذيب وأثر فيهم ذلك الشحن الإجرامي الخاطئ. دونما وعي أو إدراك أن المؤامرة الخارجية ليست إلا في تلك العصبة التي أوجدها الخارج كسيف سلط على رقاب الشعب اليمني بل لقد أفرغت المؤسسة العسكرية من الكوادر الحقيقية وغاب بذلك المشروع الوطني، الذي أكدت عليه أهداف ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر وهو بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة.
ما يجعلنا نطرح تساؤلاً آخر على كل رجل ينتمي إلى اليمن وإلى الإسلام قبل انتمائه إلى إحدى الوحدات العسكرية والأمنية، فنقول في سبيل ماذا تقاتلون؟ ولماذا؟ ومن تقاتلون؟ وإذا كان ما تقومون به صد للعدوان؟ لماذا لم يتم الاعتداء عليكم من سنوات طويلة؟! ولماذا تقصف هل هي المعتدية؟!.
* قتال تحت أي رأية؟!
عن جندب بن عبدالله البجلي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية، فقتله جاهلية".
وعن أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن الرجل يقاتلُ وشجاعة، ويقاتلُ وحيمة ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".(20)
وفي لفظ للحديث: "ويقاتل ليرى مكانه أيُّ ذلك في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
فما هي المكانة التي تريدون أن تكونوا عليها؟ وما هو الثواب الذي ترجونه من قتل إخوانكم وما هي الراية التي تقاتلون تحتها؟! وفي سبيل ماذا تزهق الأرواح والأنفس البريئة؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض (21) وفي هذا يقول العلامة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين ـ في شرح رياض الصالحين للنووي عند شرحه هذا الحديث: وفي هذه المسألة بحسب النصوص تفصيل "إن قاتل المسلم مستحلاً لقتله بغير إذن شرعي فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وإن قاتلة بتأويل، أو لقصد رئاسة، أو لقصد سلطان، فهذا لا يكفر كفر ردة، ولكنه كفر دون كفر. (22)
* أنصار الظلمة:ـ
أما أنصار الظلمة وجلاوزتهم وأعوانهم ومنافقيهم فيقول الله عنهم: ((ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب، إذ تبرأ الذين اَتبعوا من الذين اُتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرةً فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)) [البقرة: 166 ـ 167].
وقال تعالى: (( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قبله وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد))، وقال تعالى: ((وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً)) [ الأحزاب: 68].
وقال تعالى: ((وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء)) [إبراهيم :21].
وقال تعالى: (( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار)) [إبراهيم: 42].
قال ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ "الجلاوزة (23)والشُّرط (24) كلاب النار يوم القيامة"(25).
وقال سعيد بن المسيب ـ رحمه الله تعالى ـ "لا تملأ أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة"(26)، وأعوان الظلمة في بلادنا وإن كان لهم مسميات مختلفة لكنهم كثر، ويعدون من الأدوات الرئيسية لاستمرار الظلم وارتكاب هذه الجرائم.
وقال مكحول الدمشقي –رحمه الله تعالى- : ينادي منادٍ يوم القيامة أين الظلمة وأعوانهم؟ فيما يبقى أحد مد لهم يداً أو حبر لهم دواة أو برى لهم قلماً فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجعمون في تابوت من نار، فيلقون في جهنم". (27)
قال الشنقيطي –رحمه الله- "ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قتل سبعة بواحد وقال: لو تمالأ عليهم أهل صنعاء لقتلتهم به جميعاً، وروي نحو ذلك عن علي كرم الله وجهه أنه توقف عن قتال الحرورية (28)، حتى يحدثوا، فلما ذبحوا عبدالله بن خباب، فقالوا: كلنا قتله، ثلاث مرات، فقال لأصحابه: دونكم القوم، فما لبث أن قتلهم علي وأصحابه".(29)
× قتال اضطرار أو اختيار:
ولا شك أن هناك فرقاً بين الظالم والمظلوم، وبين المعتدي المعتدى عليه، فمن الناس من لا يفكر قط في رفع السلاح على أخيه، ولكنه يضطر إليه اضطراراً للدفاع عن نفسه أو عن أهله أو عن إخوانه، والدفاع عن النفس مشروع ولو بالقتل إذا اضطر إليه، لأنه قتل اضطرار لا قتل اختيار وهذه فتوى العلامة الشيخ/ يوسف القرضاوي عندما سئل عن الاقتتال بين فتح وحماس.
وأضاف فضيلته: وهذا ما قرره الفقهاء "دفع بأخف الوسائل، فإذا لم يجد الأخف لجأ إلى ا لأشد، ولو كان القتل، بحكم الضرورة (30) وفي الحديث الصحيح "أرأيت إن دخل عليّ داري؟ فقال: قاتله، قال: فإن قتلته؟ قال إن قتلته فهو في النار، قال: فإن قتلني؟ قال إن قتلك فأنت شهيد".
وقد بين الحديث الشريف أن المعتدى عليه شهيد بخلاف المعتدي، فهو في النار، وأما حديث أبي بكرة الصحيح في التقاء المسلمين بسيفيهما، فليس على إطلاقه، وعلى حكمنا على الصحابة الكرام، ومنهم علي بن أبي طالب، وطلحة والزبير رضي الله عنهم، بأنهم في النار وهم من العشرة المبشرين بالجنة بإجماع الأمة.
ومن السابقين الأولين من المهاجرين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، بنص القرآن في سورة التوبة، وهم من المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة.
ويوضح العلامة القرضاوي إنما ينطبق الحديث على من قاتل استجابة لعصبية جاهلية، أو حباً للدنيا، أو إتباعاً للهوى، أو مطاوعة لأعداء الدين والأمة ونحو ذلك.
أما من كان عنده تأويل –أي اجتهاد دون وجهة نظر شرعية- في قتاله، فلا يدخل في الحديث، وإن كان مخطئاً في تأويله، إذا كان موقفه بعد الاجتهاد والتحري فهو مأجور أجراً واحداً على اجتهاده وإن أخطأ فيه، وذلك من فضل الله تعالى ورحمته على هذه الأمة،أ.هـ (31) انتهى كلام القرضاوي.
ويقول الدكتور/ طه أبو كريشة –عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف-: وحرم الإسلام على المسلم أن يروع أخاه المسلم، وعدّ مجرد النظرة المخيفة تعدياً على حرمة المسلم، فقال عليه الصلاة والسلام "من نظر إلى أخيه نظرة يخيفه بها أخافه الله بها يوم القيامة".
فإذا كان هذا لمجرد النظرة المخيفة، فكيف يكون الحال مع سفك الدماء وإزهاق الأرواح وإشاعة الخوف العام؟!.
كذلك رأينا تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من المشاركة في قتل أحد المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم "من أعان على قتل أخيه ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله".(32)
ويضيف الدكتور/ أبوكريشة: وأكثر من هذا فإن هناك من الأحاديث ما يبين أن استحلال دم المسلم يعد كفراً وخروجاً من الإسلام، حيث قال صلى الله عليه وسلم " قتال –أي قتل- المسلم كفر وسبابه فسوق"، ومن غير المعقول أن نتصور أن يقف المسلم في مواجهة المسلم يقاتله قتال العدو الذي لا يدين بدينه" أ.هـ(33)، لكن هذا يحدث عندنا في يمن الإيمان والحكمة.
× قتال الدفع وقتال الطلب:
ويقول العلامة ابن عثيميين –رحمه الله- هناك فرق بين قتال الدفاع وقتال الطلب، الطلب ما تطلب إلا من أباح الشارع قتاله، وأما الدفاع فلابد أن يدافع.
ومع تعليق فضيلته على الحديث الذي رواه أبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قلت يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" متفق عليه.
يقول ابن عثيمين –رحمه الله- أي يريد كل واحد منهم أن يقتل الآخر، فسل عليه السيف وكذلك لو أشهر عليه السلاح كالبندقية أو غيرها مما يقتل كحجر ونحوه، وذكر السيف هنا على سبيل التمثيل وليس على سبيل اليقين، بل إذا التقى المسلمان بأي وسيلة يكون بها القتل، فقتل أحدهما الآخر فالقاتل والمقتول في النار.
ثم ينبه العلامة ابن عثيمين إلى أهمية التفريق بين هذا الحديث وحديث آخر يقول: وبهذا نفرق بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم "من قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون حقه فهو شهيد".
ويضيف العلامة ابن عثيمين: وذلك لأن الإنسان الذي يدافع عن ماله وأهله ونفسه وعرضه إنما دافع رجلاً معتدياً صائلاً لا يندفع إلا بالقتل، فهنا إذا قتل الصائل كان في النار، وإن قتل الدافع كان شهيداً في الجنة وهذا هو الفرق بينهما.(34)
وفي موضع آخر يوضح العلامة محمد بن صالح العثيمين أن الشهداء من قتلوا ظلماً، كأن يعتدي عليه إنسان فيقتله غيلة ظلماً فهذا شهيد.
ولا يجوز أن يعتدي الإنسان على أخيه الإنسان، ولا جماعة على جماعة، ولا شعب أن يعتدي على شعب آخر، وللمعتدى عليه أن يدر العدوان قال تعالى "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل" الشورى (41).
وهكذا نجد أن كيان الإنسان المادي والمعنوي محمي، تحميه الشريعة في حياته، وبعد مماته، ومن حقه الترفق والتكريم في التعامل مع جثمانه "إن كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه".
× أين الاستثناء؟!:
ولا تسلب هذه القدسية لحياة الإنسان إلا بسلطان الشريعة، يقول الدكتور/ عبدالحميد البلالي –الداعية الكويتي- وهو يتحدث عن الاستثناءات التي تبيح قتل المسلم، حيث يقول: وواضح من سياق الآيات والأحاديث أن النهي ليس على إطلاقه، بل أن هناك استثناءً واضحاً وهو قوله تعالى "إلا بالحق".
وما جاء في الأحاديث السابقة ومنها حديث البخاري السابق، "بغير حله"، وحديث ابن ماجه السابق "بغير حق"، فما هو هذا الحق الذي يجيز قتل المؤمن؟.(35)
هذا الحق، لم يتركه الشارع هكذا دون تحديد ولم يتركه لاجتهاد المجتهدين والمتأولين لتكون فوضى اجتماعية وينعدم الأمان، كما هو حاصل في بعض الأقطار الإسلامية، من بعض المتأولين، بل حدده وأوضحه أشد الإيضاح في حديث الإمام مسلم الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه والمفارق للجماعة".
× الاستثناءات الثلاثة:
1. الثيب الزاني: هو المحصن المتزوج، فليس له مبرر في اقتراف جريمة الزنا، لذلك فإنه يُرجم حتى الموت، بينما الأعزب يجلد بالسوط.
2. النفس بالنفس: فكل نفس بريئة مقتولة، يقتل القاتل بها قصاصا.
3. الإرتداد عن الدين: وهو التارك لدينه، فالأصل أنه لا إكراه في الدين، ولكنه إذا اختار الإسلام بمحض إرادته، ثم ارتد عنه فإنه يقتل.
يقول الإمام النووي: فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام.(36)
× تساؤلات مشروعة:
بقي لدينا ثمة تساؤلات مشروعة نطرحها على المعنيين وهي: على أي ثغر من ثغور الإسلام يُقاتل أولئك الجند –جند الشرعية الدستورية والأسرة الحاكمة؟ في سبيل ماذا يقدمون أرواحهم رخيصة؟ أليس لديهم أُسر وعائلات تنتظرهم وهي أحق بالرعاية بدلاً من قتل العُزل وتهديم المساجد والمنازل والمزارع، وترويع الآمنين؟!.
ماذا سيردون عندما يسألهم رب العزة والجلال عن سبب قتلهم وتشريدهم لإخوانهم في الدين والوطن؟ هل سيقولون له: كنا نقاتل من أجل نصرة دينك؟ ثم كم من الأرواح أزهقت في مختلف المحافظات ولا يوجد مبرر واحد لأن تسفك الدماء المعصومة والأنفس المحرمة، هنا أو هناك، هل يعتقد القتلة المأجورين من بلاطجة وقطاع طرق وغيرهم ممن يمارسون الإجرام بشكل يومي أنهم سيفلتون من عقاب رب الأرض والسماء؟! وأن جرائمهم تلك التي طالت الأبرياء والعُزل ستمر دونما عقاب؟!.
إنهم إذا لم تطالهم عدالة الأرض، فهناك عدالة الله في السماء تنتظرهم، لم يكن أحد من أبناء بلد الإيمان والحكمة يتوقع أن يخرج من بين ظهرانيه قتلة وسفاحون بهذه الصورة، تشرّبوا الإجرام مع الحليب الذي رضعوه؟!.
إن من يشاهد جرائم هؤلاء البغاة بحق أبناء هذا الشعب وممارستهم ضده يعتقد أنه يعيش مع الصرب والكروات وهم يمارسون تطهيراً عرقياً بحق أبناء البوسنة والهرسك.
إننا وأمام مشاهد القتل والدمار والترويح والإرهاب وكل أشكال وصور الإجرام ا لذي يُمارس ضد أبناء هذا الشعب، تحت حجج ومبررات واهية لا يمكن أن تقبل بها حتى جمعيات حقوق الحيوان، فضلاً عن إنسان له قدسيته وكرامته، أمام كل ذلك نطالب أصحاب الضمائر الحية والعقول الراشد أن يتدخلوا لإيقاف المجازر اليومية التي ترتكب في نهم وأرحب وتعز وأبين والحديدة وفي كل مكان.
كما نناشدة إخواننا في الدين والعروبة والإنسانية إيقاف شلالات الدم ومظاهر العقاب الجماعي ضد هذا الشعب.
لقد أصبح هذا النظام الدموي يوزع الموت على قارعة الطريق، وينشر الدمار في كل مكان، ثم يتحدث عن الإسلام والأخلاق والحوار والشرعية، فأين هي الأخلاق ممن قتلوا في منازلهم وعلى جنبات الطرق وعلى امتداد الشوارع، سواءً برصاص الاحتفال أو بصواريخ وقذائف الموت والدمار هنا أو هناك؟!.
إن من يبررون تلك لجرائم البشعة ـ من مرتزقة وأفاكون ورويبضة ـ التي طالت كل شيء في هذا البلد عليهم أن يراجعوا أحكام الدين الذين ينتمون إليه، ويعرضوا جرائمهم تلك على أحكامه وقواعده، سيجدون أن ما يقومون به لا يمت لا للدين ولا للأعراف ولا للتقاليد بصلة،بل هو الإجرام والشر المخبوء في نفوسهم، يوزعونه على من يختلف معهم أو لا يكون تابعاً، لكن ليعلم كل هؤلاء من الظلمة وأنصارهم وأعوانهم وأبواقهم أنهم ومهما وسعوا من دائرة حقدهم وشرهم وإجرامهم ضد هذا الشعب أن اليوم دنيا وغداً آخرة واللقاء هناك.
الهوامش:
1. حقوق الإنسان في الإسلام أ.د. أحمد علي الإمام –مستشار الرئيس السوداني لشؤون التأصيل مجلة المجتمع العدد "1814".
2. 3. المصدر السابق صـ54.
4. ملوك الآخرة، عبدالحميد البلالي، مجلة المجتمع ع "1887".
5. رواه البخاري، الفتح 12 "6861" واللفظ له ومسلم "86".
6. رواه البخاري، فتح الباري 6861-6862، كتاب الديات.
7. البلالي ، مجملة المجتمع ع "1887".
8. البخاري: كتاب بدء الخلق "6/338"، ومسلم: كتاب القسامة والمحاربين والقصاص "3/1305".
9. البخاري – الفتح 12 "6871" واللفظ له، ومسلم "88".
10. أبو داؤود "4/4270" واللفظ له، والحاكم في مستدركه "4/351" ورواه النسائي "7/81" بإسناد حسن من حديث معاوية رضي الله عنه.
11. النسائي "7/81".
12. النسائي "7/82".
13. النسائي "7/84".
14. مسلم "2564" وبعضه عند البخاري.
15. البخاري – الفتح 11 "6533"، واللفظ له ومسلم "1678".
16. البخاري – الفتح 12 "6863".
17. الترمذي "1398" وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي "2/57" برقم "1128".
18. د. عبدالحميد البلالي ، المجتمع، ع "1887" صـ54.
19. البخاري – كتاب الجهاد والسير "6/33"، مسلم كتاب الإمارة "3/1512".
20. البخاري: "6/338" برقم "3197" ومسلم "3/2305" برقم "1679".
21. شرح رياض الصالحين، ج1، للعلامة ابن عثيمين.
22. الجلاوزة: أعوان الظلمة.
23. الشُّرَط: طائفة من أعوان الولاة لهم علامات يعرفون بها.
24. 25. الكبائر "112".
26. المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
27. هم الخوارج ونزلوا مكان يقال له حروراء وسُموا كذلك نسبة إلى المكان الذي نزلوا فيه، وقد قاتلهم علي كرم الله وجهه وكان عددهم قوام "1000" رجل، لقتلهم عبدالله بن خباب بن الأرت، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
28. أضواء البيان "95،94،2"، البداية والنهاية لابن كثير الجزء "7-8".
29. العلامة يوسف القرضاوي، اللواء الإسلامي، ع "1323"، صـ5.
30. المصدر السابق.
31. المصدر السابق.
32. المصدر السابق.
33. ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين، ج "1".
34. عبدالحميد البلالي، المصدر السابق.
35. عبدالحميد البلالي، المصدر السابق.
صفوان سنان
شهداء التعبئة الخاطئة.. وحرمة النفس الإنسانية في الإسلام 3001