في هذا الواقع المأزوم كثرت الأحكام الجاهزة واستمرأها البعض ممن يصنفون الآخرين وفق قناعاتهم الخاصة، وليس كما هم عليه في الواقع، وللأسف فإن هذا التصنيف المتعجل والمتسرع قد تسرب إلى عقليات بعض ممن نعتبرهم من النخب المثقفة وهذا أخطر ما في الأمر، فمجرد أن يرتكب أحدهم حماقة ما -قولاً أو فعلاً- فإن أصحاب هذه العقليات يوجهون أصابع الاتهام إلى أهله وذويه وقبيلته كلها، وكأنهم جميعاً قد تواطأوا مع ابنهم الأحمق في حماقته دون أن يكون لديهم ما يثبت التورط.
وهذا يدل على تغلغل الجهل المركب وضعف الوعي وضحالة الثقافة لدى من يسقطون هذه الأحكام الجاهزة على الآخرين.
إنهم لا يحترمون مشاعر الآخرين ولا يقيسون الأمور بمقياس العدل ولا يبحثون عن الحقائق وعندهم إذا صار شخص ما "لصاً" فكل أقاربه لصوص، وإذا أصبح مجرماً، فجماعته كلهم مثله، أليس هذا ظلماً وعدواناً؟ بل وغباء أيضاً.
وقد طالني بعض من هذا التعسف وطال قبيلتي أيضاً، فحين قابلت بعض هؤلاء "في الشتات" اتهمونا بأننا سبب نزوحهم ونتحمل كل ما جرى لهم من متاعب والسبب أن أحد أمراء الحرب في زنجبار ينتمي إلى قبيلتنا، وحتى الحادث الذي تعرضت له بعض قبائل آل فضل في وادي حسان بأبين حين قصفهم الطيران الحربي عندما التحموا مع عناصر القاعدة في مواجهة مسلحة فراح ضحيته الكثير من القيادات القبلية والكوادر العسكرية الذين يعز علينا سقوطهم حين وقعوا في الفخ السلطوي.
ذلك الحادث المؤسف دفع تلك القبائل إلى إلقاء اللائمة على آل بلعيد جزافاً وكأنهم يملكون الطيران الذي قصفهم، بل ووصل الأمر إلى استفزاز بعض أبنائنا وكأننا راضون بتلك الخسارة المؤلمة لنا أيضاً، لأنهم إخواننا وجزء من نسيجنا القبلي، وذلك حكم خاطئ لا ريب، مع أن من أبنائنا من خاطر بحياته وهم يدخلون التموين الغذائي إلى اللواء "25" ميكا المحاصر في زنجبار وكادت رقابهم أن تطير على أيدي القاعدة حين اكتشفوا الأمر لولا لطف الله تعالى، و لكن الإيجابيات تغيب عند البعض وتضخم المساوئ.
أنا أعرف بعض الأسر، لأبنائها قناعات مختلفة وهم أبناء رجل واحد، فمثلاً أحد أولئك الأبناء عضو في المؤتمر الشعبي العام والثاني عضو في الحزب الاشتراكي والثالث عضو في تجمع الإصلاح، فهل يصح في الإفهام أن نعتبرهم كلهم فاسدين، لأن أحدهم عضو في المؤتمر الشعبي العام؟ أم نعتبرهم كلهم اشتراكيين، لأن أحدهم اقتنع بالفكر الاشتراكي ودخل الحزب؟ أم نعدهم كلهم متشددين لأن أحدهم دخل الإصلاح الذي يعاني هو الآخر من الأحكام الجاهزة التي يرميه أصحابها بالتشدد بلا دليل.
حين أشهرت هذه التهمة في وجهي من قبل "دكتور" صديق لي قلته له: أنتم تعانون من محنة التشرد فقط، أما نحن فنعاني إلى جانب محنة التشرد محنة الاتهام بالباطل وذلك جرح مؤلم يحز في نفوسنا "وضربتين في الرأس تؤلم".
وللمرء أن يتصور مدى الألم الذي تسببه مثل هذه الأحكام الجاهزة، لأنها تفتقر إلى المنطق وتغيب عنها الحكمة، وللأسف أن بعض من يطلقونها "دكاترة" ومثقفون، فهل هؤلاء لبسوا قشرة الحضارة والثقافة والروح جاهلية؟! وهل يعقل أن تؤخذ قبيلة كاملة بجريرة رجل شد عنها، هل نسي هؤلاء قول الله تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وفي عرفهم مثل شعبي يقول كل شاه معلقة برجلها" والله المستعان.