عادت إلى مدينة زنجبار بعد أكثر من شهر على بدء الحرب.. جاءت لتأخذ بعض أغراضها من بيتها، رغم ما ينطوي عليه دخول المدينة من مخاطر لا آخر لها.. كان ولدها أحد حراس الحارة الذين كلفهم الأهالي بحراسة المنازل من النهب والسرقات.. وفي جو مشحون بالتوتر نتيجة القصف العشوائي على المدينة، قامت تلك المرأة بطباخة وجبة غذاء للشبان "الحراس" وحين التقوا حول الوجبة في فناء المنزل أخذوا ينهشونها بنهم غير معهود والمرأة تنظر إليهم من نافذة منزلها، إنهم ليسوا فقراء، فتلك الحارة تسمى بــ"الحي الراقي" في زنجبار ولكن لأنهم طوال شهر أو يزيد لم يذوقوا طعم الغذاء المطبوخ بصورة جيدة إلا تلك الوجبة التي اعتبروها شهية جداً رغم أنها وجبة عادية، لكنها مطبوخة بعانية.
ظلت المرأة تراقب تصرفهم في الأكل فألمها حالهم وما وصلوا إليه هؤلاء الفتية من معاناة بعد أن كانوا يعيشون في العز،/ فاضطرتهم ظروف الحرب للصبر على ردئ المأكولات.. وبطبيعتها كأمرأة لم تتحمل الموقف.
وعبرت عن مشاعرها بإطلاق العنان للدموع حسرة على ما بلغ به حال أهل هذه المدينة المنكوبة، وأصرت على البقاء في بيتها لتصنع لأولئك الفتية الذين أرهقهم الجوع، ولم تنفع معها توسلات ابنها الذي كان ضمن فريق الحراس للعودة إلى عدن حتى لا تتعرض لمكروه ولكنها ظلت لثلاثة أيام تصنع الطعام لأولئك الفتية حتى نفذ ما معها من طعام فأجمع الفتية على مناداتها بـ"ماما" جزاء لطفها وحنانها الذي دفعها للمخاطرة والبقاء معهم تحت القصف وحين نفذ ما بيديها من طعام غادرت المدينة عائدة إلى عدن فشيعها الشباب حتى خارج أسوار المدينة حتى يطمأنوا على خروجها سالمة.
ومازالت تلك المرأة كلما تذكرت حال أولئك الفتية أجهشت بالبكاء لأن حالهم يختزل معاناتها ومعاناة كل أبناء تلك المدينة التي وقعت فريسة سهلة للمسلحين وميداناً للقتال لتجريب الأسلحة وتنفيذ أجندات مشبوهة لم تعد خافية على أحد.
ترى أي عذاب جماعي تمارسه السلطة ومليشياتها على شعبها بمثل هذه الصور التراجيدية المؤلمة؟!.
فهل ينصف لهم القدر ممن ساموهم سوء العذاب؟!
لا شك في ذلك.. ولكن: متى نصر الله؟!.
منصور بلعيدي
امرأة ذات خلق 2105