ذات مساء كنت أحد المصلين في مسجد السلام بمدينة القاهرة بمحافظة عدن وبعد التسليم من صلاة المغرب هبَّ شاب كان واقفاً في مقدمة المسجد ليعانق المايكروف بصورة مفاجئة ـ وأظنه إمام المسجد أو مساعده، وبكلمات غير مرتبة قال: "هذه نصيحة أقدمها لمن يأتون من مناطق متفرقة إلى هذا المسجد، يتواعدون فيه ليقوموا بمسيرات ضد الدولة، ويستخدمون مسجدنا لهذا الغرض ونحن نقول لهم: إذا كان لديكم مشكلة مع الدولة فبإمكانكم الانطلاق من مساجدكم وليس من مساجدنا.. ولا نريدكم أن تستخدموا مساجدنا للمشاكل والمظاهرات" هذا ما سمعته منه..
تصوروا أن يصل الحال بهؤلاء الذين يّدعون "السلفية" إلى تقسيم بيوت الله إلى "مساجدنا ومساجدهم" حين سمعت قوله تبادر إلى ذهني أن الشباب سيقيمون نشاطاً سياسياً ما داخل المسجد وأظن أن كل من سمع سيادة الخطيب يفهم هكذا، أما أن يصلي الناس في المسجد ثم يخرجون إلى الشارع لينفذوا نشاطهم خارج المسجد فلا علاقة للمسجد بهم ما لم يكن ذلك الخطيب من زمرة آل السلطان لأن استخدام المساجد بهذه الطريقة يحوله إلى منبر للدفاع عن الظلم والفساد تحت مبرر أقبح من ذنب اسمه "طاعة ولي الأمر"، حتى وإن فقد شروط الولاية العشرة.. نسي هؤلاء قول المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال:" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وهل الظلم والفساد وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ونهب ثروات الوطن لا تعد معاصٍ مغلظة؟!
يبدو أن هؤلاء الفتية يمارسون الطاعة العمياء المطلقة لولي نعمتهم وعندهم الطاعة واجبة للسلطان مهما ارتكب من الأثام والمعاصي والخروج عن جادة الصواب وهم بذلك يصيرون "مرجئة العصر"، إنهم يشوهون الإسلام حين يجعلونه مسخراً لخدمة السلطان ويشرعنون الرضا بالظلم والاستكانة عن قول كلمة الحق في وجه سلطان جائر ويحاولون تطويع الدين لصالح السلطان.. والإسلام ليس فيه مفهوم "مساجدنا ومساجدكم" ولكن فيه "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً".
أي فهم سقيم لرسالة الإسلام يا هؤلاء؟! وأي خطاب بائس ينثره حدثا الأسنان على مسامع الناس بهذا الأسعاف والجهل ولهؤلاء نقول أين الإخوة والعدل.
وأين نصرة المظلوم.. ومن نافلة القول التأكيد بأن المساجد ليست ملكاً للجماعات التي تسيطر عليها وإلا لكان الإمام يقف على عتبة باب المسجد ليفرز الناس بالبطاقة!!
ألم يكن الإسلام دين الحرية والتغيير وفق سنن الكون الإلهية التي لا تحابي أحداً؟!
"قاتل الله الجهل كم هو مطية التعصب الأعمى".