لا تزال ثلاث جبهات داخلية تنزف وتدمي، الشعوب تستنزف دماؤها والأنظمة تفقد آخر صلاتها بالناس، من دمشق إلى ليبيا مروراً باليمن. في تونس ومصر تلقف الجيش دور الحكم بين الفريقين، ووفر على البلاد سفك الدماء وسفحها، وتفادى وضع الناس في حرب أهلية مع الأمن وإحداث جروح أهلية لا تندمل، وفي ليبيا كبد العقيد أهله نحو "50" ألف قتيل ولا يزال يبحث عن المزيد، وفي اليمن أدى انقسام الجيش إلى انقسام البلد وبقي علي عبد الله صالح معلقاً، وفي سوريا وقف الجيش إلى جانب النظام ومارس أسوأ أنواع العنف، والأسوأ أن الجيش لعب الدور الرديء، الموكول إلى الأمن.
تدافع الأنظمة عن نفسها بكل ما تملك من قوى، وتنسى في غمرة الخوف أن الجيش ليس ملكا لها، ولا القضاء، إنهما ملك الدولة والشعب، وعندما ترسل العائلات أبناءها إلى الجندية فمن أجل أن يتعلموا محبة وطن واحد والدفاع عن وطن واحد ومحاربة عدو واحد، والعدو خارج الحدود لا داخل المدن.
في الجبهات الثلاث تطارد الجيوش الرجال والنساء والأطفال، دون مهادنة. رجب طيب أردوغان الذي وثقت به دمشق إلى درجة أوكلت إليه وحده (لا روسيا ولا أميركا ولا مؤتمر مدريد) أن يتفاوض عنها مع إسرائيل على استرجاع الأرض، كان يقول أول من أمس إنه تحدث مع أحمدي نجاد، آخر وأقرب أصدقاء سوريا، من أجل أن تنهي حالة العنف والاعتقالات والتعذيب والقتل اليومي، وأميركا كانت تعلن أنها «تأمل» بأن ينفذ الرئيس اليمني الوساطة الخليجية «خلال أسبوع».
والشيخ الجليل/ مصطفى عبد الجليل يسافر إلى واشنطن الثلاثاء ليشكر باراك أوباما على الأسبوع الأول من تفكيك «ترسانة القذافي»، التي كان قد فكك ثلاثة أرباعها بنفسه تعويضا عن نسف طائرة الـ«بان آم» فوق لوكربي.
تخوض فلسطين معركتها الدبلوماسية وحيدة في الأمم المتحدة فيما الأنظمة العربية التي وعدت شعوبهاً بفلسطين تمنع الموتى من الدفن وتحول المواطنين أعداء مستباحين لنار القناصة في ساحات المدن.
مازح الرئيس اليمني الوسطاء ليل نهار، يقبل في الصباح ويرفض في المساء، العرب والعجم يتوسطون بين نظام وشعبه، ورفض النظام السوري كل وساطة وجعل كل وسيط عدواً له، بما في ذلك الجامعة العربية. واكتفى بالدعم الروسي النصفي وكأننا لا نزال في زمن الحرب الباردة ومشفى «شخالطوبو»، عبثاً يحاول العالم إقناع
دمشق بأن زمنها تغير إلى غير عودة!
الشرق الأوسط
سمير عطا الله
الجبهات ضد الشعوب 2003