عاد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى صنعاء بعد ثلاثة أشهر قضاها في المملكة العربية السعودية لتلقي العلاج من جروح وحروق اثر عملية انفجار استهدف اغتياله ومجموعة من وزرائه في مسجد قصر الرئاسة في العاصمة. وجاءت هذه العودة لتصيب معارضيه بالإحباط وأنصاره بالفرح والاحتفال، ولكن احتمالات تفاقم الأزمة في اليمن باتت اكبر مما كانت عليه في الشهور السابقة التي سادتها مرحلة من الترقب وانتظار تطور ايجابي لم يحصل.
عودة الرئيس صالح جاءت مفاجئة لليمنيين جميعاً، ومتعارضة مع كل السيناريوهات التي كانت تتوقع أن يستغل الرئيس اصابته ومرضه للتنحي عن الحكم والقبول بباقي بنود المبادرة الخليجية، بما في ذلك التنازل عن صلاحياته لنائبه عبد ربه منصور هادي والإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون شهرين.
من الواضح أن المملكة العربية السعودية التي استضافت الرئيس اليمني طوال الأشهر الثلاثة الماضية لم ترد، وربما لم تستطع منع عودته إلى اليمن، وكان واضحاً أن استقبال العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز له قبل أيام معدودة هو لقاء وداعي يتضمن اتفاقاً ضمنياً بالدعم والمساندة ليس للعودة فقط وإنما للاستمرار في الحكم.
السلطات السعودية تكره الثورات الشعبية أينما كانت، وتعتبرها مصدر خطر على أمن المنطقة واستقرارها وأنظمة الحكم فيها، لأنها تخشى وصول فيروساتها وعدواها إليها، ولهذا حاربت الثورة الناصرية ومن بعدها ثورة يناير في مصر التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك حليف المملكة الأوثق، وعبرت عن امتعاضها تجاه الثورة التونسية باستقبال الرئيس زين العابدين بن علي وأسرته وتوفير الحماية لهم.
ومن المنطقي أن لا تشعر هذه السلطات بالارتياح لثورة اليمن التي تقع على حدودها الجنوبية، تماماً مثلما لم ترتح لثورة البحرين التي تفجرت قرب حدودها الشرقية، واضطرتها إلى إرسال قوات سعودية عبر جسر المحبة إلى قلب المنامة عاصمة البحرين.
السلطات السعودية لا تستطيع إرسال قوات إلى اليمن لحماية نظام الرئيس علي عبدالله صالح من الانهيار، لأنها جربت التورط في اليمن في مرحلة الستينات فأحرقت أصابعها، واستنزفت قواها، وحاولت التدخل في حرب الانفصال عام 1994 بمساندة الانفصاليين الجنوبيين فمنيت بهزيمة كبرى.
ما تستطيعه أو ما تريده السلطات السعودية هو استمرار الوضع الراهن في اليمن على حاله، أي أن لا يسقط النظام الحاكم وان لا تنتصر الثورة، وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى استمرار اليمن ضعيفاً وغير مستقر لا طول فترة ممكنة بحيث يتم أنهاك قوى الطرفين المتصارعين تماماً، وبروز نظام وسطي ضعيف في نهاية المطاف.
الأمريكيون مرتاحون للإستراتيجية السعودية في اليمن، ولا يريدون أي تدخل من جانبهم يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بهذه الاستراتيجية، وإغضاب الحكم السعودي بالتالي، ولهذا يكتفون بإصدار بيانات إنشائية تطالب الرئيس اليمني بالتنحي، ولكنهم في الوقت نفسه يتعاونون بحماس مع نظامه وقواه الأمنية للقضاء على تنظيم 'القاعدة' وأنصاره في سوقطرة وزنجبار والجنوب اليمني بوجه عام.
الرئيس علي عبدالله صالح يعرف هذه الحقائق جيدا ولهذا يشعر بالاطمئنان إلى استمراره في السلطة معتمداً على دعم حليفيه الأمريكي والسعودي، وهذا ما يفسر عودته من الباب مثلما شاهدنا في اليومين الماضيين، وخروج السيد عبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي من النافذة عائداً بخفي حنين بعد أن فشل في إقناع نائب الرئيس اليمني بتوقيع المبادرة الخليجية.
اليمنيون الذين نزلوا إلى الشوارع في مظاهرة سلمية منذ تسعة أشهر يواجهون لعبة أمم إقليمية ودولية تتآمر على ثورتهم، والخوف كل الخوف أن يدفعهم الإحباط إلى التخلي عن سلمية ثورتهم هذه، مما يعني أن اليمن سيدخل في نفق طويل من عدم الاستقرار والدماء معاً.
نقلاً عن القدس العربي
رأي القدس
عودة صالح بمباركة أميركية سعودية 2177