الكثير من المحللين في أوروبا يرون أن أزمة منطقة اليورو وتدابير التقشف التي أقرت في معظم الدول الأوروبية سوف تنال من النماذج الاجتماعية التي اعتمدت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي يترتب إصلاحها اليوم لضمان استمراريتها.
وصلت خطط ا لتقشف التي تعلن عنها الحكومات منذ أكثر من سنة محل النفقات التقليدية التي كانت دولة الرفاهة الأوروبية تخصصه للخدمات الاجتماعية، وباتت الدول تعمد إلى تدابير مثل إصلاح أنظمة التقاعد وتخفيض المساعدات وتجميد الإعانات والمعاشات الاجتماعية والحد من نفقات الضمان الصحي، هذه الدولة الراعية التي أقيمت بعد الحرب والتي كانت تلك الفترة في وضع تتميز بنمو قوي لمجموع الأجور ونسبة وظائف عالية وشعوب شابة نسبياً، أما اليوم فهناك البطالة المتفشية وانعدام للنمو فيما السكان يشيخون، وبالتالي فإن الضغوط المالية لا تحتمل إطلاًقاً ومن الواضع أن الضغط الذي كان يواجهه النموذج الاجتماعي الأوروبي أساساً نتيجة الظروف الديموغرافية وضعف النمو الذي استدفع الأزمة، غير أن التدابير المتخذة لمواجهة الأزمة تختلف من دولة إلى أخرى، ففي فرنسا أعلنت الحكومة إضافة إلى إصلاح النظام التقاعدي، إعادة تقييم التقديمات والمساعدات العائلية لتكون أقل ارتفاعاً من التوقعات للعام الحالي، وفي إيرلندا تم تخفيض المساعدات في مجال الصحة والسكن، أما في البرتغال فخفضت المساعدات الاجتماعية، وفي إسبانيا ألغي شيك الطفل الذي كان يقدم لكل ولادة.
غير أن إعادة هيكلة الرعاية الاجتماعية قد تكون أشد قوة بكثير في الدول التي تعاني أكثر من سواها في الأزمة المالية، ففي دول مثل اليونان والبرتغال، فأنظمة الدولة في وضع أشبه بالإفلاس وتتجه إلى أنظمة أكثر ليبرالية لاشباك أمان فيها، حيث الأكبر هشاشة قد يجدون أنفسهم محرومين من أي تغطية.
في أوروبا مرت مناسبة ذكرى عشر سنوات منذ إطلاق العملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، ومن المؤكد أن هؤلاء الذين بذلوا الجهود من أجل إطلاق العملة الأوروبية الموحدة لم يكونوا يتوقعون أن تأتي الذكرى العاشرة لطرح أوراق اليورو وقطعه المعدنية في الوقت الذي تمر فيه منطقة العملة الأوروبية الموحدة بأسوأ أوقاتها منذ انطلاقها.
فرغم أن أوراق اليورو وقطعه المعدنية متداولة في عشرات الملايين من الأوروبيين كل يوم، فإن شعبيتها هذه الأيام ليست عالية، حيث يحاول قادة الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، البحث عن مخرج لأزمة مالية طاحنة تهدد الوحدة النقدية الأوروبية ذاتها، وبسبب الأزمة المالية التي تعصف بـ"منطقة اليورو" منذ أكثر من عامين، تلاشى حماس دول شرق ووسط أوروبا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى منطقة اليورو، حيث تراجعت بولندا على سبيل المثال، والتي كانت تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، عن تحديد موعد مستهدف للانضمام إلى منطقة العملة الأوروبية الموحدة.
أزمة الديون انفجرت عندما طلبت الحكومة اليونانية قروض إنقاذ دولية في إبريل من عام 2010م ازدادت حدتها عندما انضمت ايرلندا والبرتغال إلى جانب المخاوف من الموقف المالي لإيطاليا.
هامش:
1. الاتحاد الاقتصادي 25/12/2011م
2. الاتحاد العدد (13322) 26/12/2011م
3. الاتحاد الاقتصادي 26/12/2011م
د.علي الفقيه
نموذج دولة الرعاية في القارة الأوروبية تتهدده الأزمة المالية 2052