من المعروف عبر التأريخ أن الملوك الجبابرة والقياصرة والأباطرة أهل القلوب الجوفاء القاسية مهما تعرضوا له من مواقف محزنة أيّا كانت درجة حزنها، إلا أن أعينهم لم تذرف قطرة دمع واحدة.. وهكذا حال أهل الظلم والطغيان. لكننا نجد من خلفائنا المسلمين من ذرف دموعه لنوح ثكلى أو فراق صاحب وحبيب، وليس بأصدق دليل من قول أكبر قائد عرفته البشرية في تاريخها وهو الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال:(إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن...)، ولأن المؤمن والمخلص له قلب لين يعيش به مع الفقراء والمساكين وأهل النائبات ويعرف به أيضاً أحوالهم، فقد يخطئ البعض القول بأن لين القلب غير صالح لأمر القيادة وإلا فأي قلب ألين من قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟.
البكاء العاطفة التي لا تنبع إلا من دافع قوي ومؤثر، فلا يبكي الإنسان البالغ والعاقل إلا حين يفقد أعز أحبابه أو تعرض أحدهم لمكروه وما سوى ذلك فهو بكاء الإنسان الضعيف.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا بكى(باسندوة)؟.. هل فقد أعز أحبابه؟ أو أصيب بمكروه؟!.
نعم.. فقد أعز أحبابه وهم(الشهداء) بل أعز أحبابه هو الوطن الذي أصيب بمكروه(الفساد) وما زال على شفا جرف هار.. ينظر(باسندوة) يمنة ويسرة فلا يجد إلا أم ثكلى فقدت ولدها شهيداً في الثورة على يد طالب الحصانة، ولا يجد إلا صاحب بيت مدمر ومُهلَك حرثه، والهاوية ما زالت فاتحة فاهها للمزيد من الشهداء والترشيح لإيقاد حرب أهلية تفنن فيها صاحب الحصانة طيلة حكمه لطالما حكمنا بها، و(باسندوة) المغلوب على أمره احتسب للأمر كفاية وعلى مضض أيقن بأن(الحصانة) هي الخيار المر علقماً كدواء لابد من تناوله، وفي باله مواقف أمهات الشهداء ودماء الجرحى الباقية النزيف، وأطلال البيوت المهدمة فما كان منه إلا أن أجهش بالبكاء في حضرة النواب.. إنه الوطن! إذا الم نبكِ عليه فلا داعي لدموع أن تسح ولا لقلب أن يرق.. فكل شيء له بديل إلا الوطن؛ لأن الوطن هو منشأ المال والأهل والولد.
سنين مرت ولم نعرف فيها عن قائدنا ورئيسنا إلا أنه همام، وبطل الحروب التي يكون هو فيها طرفاً والطرف الآخر هو شعبه المسكين، فيخرج الفخامة من حرب إلى حرب يدوس بأقدامه على جماجم وعظام شعبه الضامرة الهزيلة ليوتد عليها عرشه المغتصب.. فهل رأيناه يوماً ذرف دموعه على رأس مسكين أو بالأصح رق قلبه حينها؟! كم من المواقف التي مر بها شعبنا يعاني فيها الويلات والنائبات.. مساجدنا امتلأت بالمتسولين على أبوابها، وأسواقنا ازدحمت بالنساء العائلات أسرها تبتاع وتشتري بطريقة مهينة.. خريجون أكاديميون بشهادات عليا يحترفون مهن غير لائقة بهم ليسدون بها رمقهم.. مستشفيات الأمراض النفسية تعج بالمختلين عقلياً ممن كان داؤهم هو حلم لم يتمكنوا من تحقيقه.. فهلا رق قلب الحاكم وذرف دموعه؛ لأن دموعه هي أول عطاء لمثل أولئك ودليل صدق على الشعور بالمسئولية، لكنه قاسي القلب صدئ العينين لم يتلفت ولو بنظرة حنية يحاول فيها انتشال غريق من وحل الإهمال والنسيان.. بل وفوق هذا كله أكل أموالهم وثرواتهم لينعم بها وأسرته المبذرة.
باسندوة وقولته المشهور(والله إن قلبي ليقطر دماً.. وأنا مستعد لأُقتل من أجل هذا الوطن) مقارنة بمقولة طالب الحصانة (فليذهبوا إلى الجحيم والبقاء للشرعية الدستورية) ويقصد بالشرعية(شخصيته) الخبيثة.. باسندوة الذي مثل الشخصية اليمنية الجنوبية الفذة صاحب القلب الرحيم والرأي السديد.. إن لم يكن قد أصاب في فعله فهو لم يربح شيئا سوى انتقادات لاذعة هو مؤمن بمصداقيتها إلا أن درء المفسدة هو أولى من جلب المصلحة، و(صاحب الحصانة) يبقى تطارده اللعنات أينما ذهب وحل، أما حدود الله فلن يتعدها إلا كافر، ولا شفاعة في حد من حدود الله، والإيمان بـ(بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين) واجب، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إبراهيم الشجيفي
باسندوة.. براءة وحب للوطن 1543