دعوة الانفصال التي نشطت في جنوب البلاد مؤخراً شاهرة ذلك بقوة السلاح باسم الحراك الجنوبي المسلح، يعتبر هذا هروباً من الواقع، فاليمن بشطريه الشمال والجنوب يعاني من سوء الإدارة والأوضاع الاقتصادية المتردية، وليس الجنوب فقط وإن كان الجنوبيون يشعرون بأن ما يصيبهم أكثر وطأة مما يصيب أشقائهم في الشمال...ولن يحل الانفصال أياً من مشاكل الجنوب بل قد يزيدها تعقيداً، فقادة الجنوب تقاتلوا فيما بينهم عندما كانوا يحكمون البلاد وجرت تصفيات دموية لبعضهم البعض..إلى جانب إساءتهم لحكم البلاد وتحويل الجنوب إلى دولة تعيسة يعيش مواطنوها في فقر وأمن مفقود، بينما حققت الوحدة نوعاً من الاستقرار وألغت فرص القتال الدموي بين القيادات المتصارعة وكذلك ما هو واضح للعيان من اختلافهم في قيادات للحراك من باعوم إلى الفضلي إلى النوبة إلى البيض، ثم عطاس وأخيراً العملاق الناخبي.. فالحل للأزمة اليمنية يجب أن يكون حلاً لمشاكل اليمن كدولة واحدة.. ولن يخدم الوحدة بروز جماعات مسلحة من الصعب السيطرة عليها كالحراك المسلح وأنصار الشريعة، بل يجب أن يكون الحل عبر الاعتراف بالظلم والإجحاف الذي أصاب إدارة البلاد شمالها وجنوبها والسعي لمعالجته بشكل جدي وليس بالتصريحات وإطلاق الوعود كما كان يجري في السابق في ظل حكم صالح... ففي خضم الأحداث المتتالية علي اليمن فهي لا ينقصها المشاكل والقضايا المعقدة، فيكفيها ما فيها..فالثورة مازالت قائمة علي قدم وساق والاحتدام بلغ جذوته في موضوع الهيكلة...والتمرد الحوثي يتوسع بالمحافظات المجاورة لصعدة ويتواصل بدعم من الداخل والخارج...وأفراد القاعدة يعودون إلي اليمن ليتمركزوا في جبالها ويسقطوا المحافظة تلو الأخرى وتسلم لهم من دون طلقة رصاص.....وكذلك لن يؤدي ما سمي بالحراك المسلح إلى قيام دولة صالحة في الجنوب، بل سيتحقق مطلب صالح أن تتوجه البلاد إلى الصوملة والعرقنة..
طريق اليمن يجب أن يكون باتجاه إصلاح البلاد بجهد يتكاتف فيه اليمنيون شمالاً وجنوباً.. والتعجيل بهيكلة الجيش..والتسريع في إجراء الحوار الوطني والتعجيل بإجراء التعديلات الدستورية لتطوير النظام السياسي والانتخابي والانتقال إلى نظام للحكم المحلي تعطى فيه صلاحيات واسعة للأقاليم المختلفة والتسريع بجهود البناء والتنمية التي طال انتظارها وعجزة الأنظمة والإدارة السابقة في حكومة الرئيس السابق عن تحقيقها.
ويجب أن ينظر اليمنيون إلى أنفسهم ويمعنون النظر، فلديهم كبشر قدرات واسعة الإضافة إلى ثروات طبيعية في مجال الزراعة والثروة السمكية وغيرها وانفتح الباب بمصراعيه للاستثمار من اليمنيين وغير اليمنيين ويتم كف تلك الأيادي التي تفسد مشاريع الاستثمار وتسيء إلى سمعة البلاد.. ولتنطلق مراكز الأبحاث داخل البلاد لدراسة كيفية الاستفادة من كل ذلك.. أليس معيباً أن يتمكن اليمني من بناء اقتصاديات العديد من البلدان في جنوب وشرق إفريقيا واندونيسيا وماليزيا والهند ودول الخليج ويعجز عن ذلك في بلده؟ وعلى حكومة الوفاق أن تقوم بتحقيق ذلك عبر تهيئة الأجواء المناسبة حتى يشعر المستثمر اليمني وغير اليمني بأن استثماره ممكن أن يكون مفيداً له ولليمن كمثال قد يكون من المناسب أن تلغي حكومة الوفاق عقد اتفاقية تأجير ميناء عدن وتدرس بجدية أسباب عجز ميناء عدن على أن يحقق الهدف من تسميته ميناءً حراً..
ولاشك أن دول الخليج يهمها استقرار اليمن وأن دولاً أخرى في العالم لديها مصلحة في هذا الاستقرار وتتحمل مسؤوليتها في مساعدة اليمن على تحقيق أهدافه والخروج من هذه البوتقة المظلمة...ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك إذا عجزت القيادة اليمنية الجديدة عن تهيئة المناخ المناسب لاستفادة البلاد من الدعم الذي تحصل عليه...
لقد أتيحت في السابق للجنوب الفرصة لبناء دولة صالحة وعجز عن ذلك..وعلى الجميع الآن اليوم قبل الغد أن يعملوا على بناء اليمن الواحد الذي ندعو جميعاً الانتماء إليه ونتشرف بذلك ونرفع رؤوسنا.
عبد الوارث الراشدي
ما الذي سيجنيه الجنوب من الانفصال 2254