من المؤكد أن كل مواطن يمني قرأ وسمع كل ما يقال ويكتب حول ميناء عدن والاتفاقية المبرمة بشأنه والاتهامات المسيئة الباطلة التي ترد بين الحين والآخر من هنا أو هناك!.
وبرغم أن هذا الموضوع قد تم بشفافية مطلقة ووافق واطلع عليه مجلس الوزراء كأعلى جهاز تنفيذي في اليمن، كما اطلعت الأجهزة الرقابية كالهيئة العليا لمكافحة الفساد وجهاز الرقابة والمحاسبة ومكتب رئاسة الجمهورية على جميع وثائق هذا المشروع منذ ثلاثة أعوام ولم يكن لها ملاحظات حول هذا المشروع الهام أو انتقاد لنصوص الاتفاقية- حسب علمي في حينه، إضافة إلى أن مجلس النواب الموقر قد استدعاني إلى أحد اجتماعاته المعلنة لمناقشه الاتفاقية واقتنع الجميع بالإجراءات القانونية التي تمت لإبرام هذه الاتفاقية، بل وحصلت الاتفاقية على تأييد كتلة عدن في المجلس سواء المنتمين للمعارضة أو للمؤتمر الشعبي العام.
ولابد من الإيضاح أن هذه الاتفاقية تمت تحت متابعة وإشراف مباشر من قبل لجنة وزارية يرأسها نائب لرئيس الوزراء (عبدالكريم الأرحبي) يشهد له المجتمع الدولي والمحلي بنزاهته واحترامه وتضم خمسة وزراء في الحكومة وقد عملنا كفريق واحد بشكل مهني آخذين في الاعتبار الإشكاليات والنقاط التي كانت مثارة في ذلك الوقت.
لقد كان أول سؤال تم توجيهه من قبلي: هل هذا قرار سياسي بغض النظر عن الجانب الاقتصادي؟ (لأنه لو كان كذلك لرفضت المشاركة في أي عمل من هذا النوع حتى وإن كانت توجيهات عليا).. وكان الرد أن البعد الاقتصادي هو الأهم خاصة وأن موانئ دبي تدير واحداً وخمسين ميناء حول العالم وهي من اكبر الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال يضاف لذلك أنها عربيه،، لذلك عملنا على هذا الأساس ولولا ذلك لتمت الموافقة على الاتفاقية الموقعة عام ٢٠٠٥م أو تعديلات دبي عليها بعلاتها والتي لم تحقق أي طموح لتوفير جدوى اقتصادية حقيقية في ظل نصوص تلك الاتفاقية.
الجدير بالإشارة أن هناك من يخلط بين الترتيبات والاتفاقيات القائمة حالياً التي وقعت عام ٢٠٠٨م وبين الاتفاقية التي وقعت بناءً على نتائج المناقصة عام ٢٠٠٥م (فقد تم رمي الاتفاقية السابقة جانباً) وبهذا الخصوص يجب أن نتطرق لبعض التفاصيل أوضحها فيما يلي:-
١- أن هناك اختلافاً جذرياً بين اتفاقية عام ٢٠٠٥م موضوع الجدل المثار دائماً وبين هذه الاتفاقية ( اتفاقية ٢٠٠٨م).
٢- أن الحكومة حاولت تحسين الاتفاقية بناءً على ملاحظات مجلس النواب الموقر والمتفق عليها مع اللجنة الوزارية المكلفة في حينه من قبل الأخ/ رئيس الجمهورية السابق ولكن لم يتم ذلك لأسباب عديدة، كما أن اللجنة الوزارية المشكلة من قبل الحكومة الجديدة عام ٢٠٠٧م حاولت معالجة الأمر مع دبي ضمن اتفاقية ٢٠٠٥م بحسب الأسس التي تضمنت تطوير ميناء عدن وتحويله لميناء دولي محوري لحاويات الترانزيت، إلا أن ذلك لم يتم من خلال المفاوضات معهم.
٣-عرضت اللجنة الوزارية الأمر على بيوت خبرة عالمية اقتصادية وقانونية للإفادة بالطريقة المثلى للدخول مع موانئ دبي في شراكة متوازنة نضمن بها الأهداف المشار إليها وتعالج أي تخوفات أخرى كانت تثار في ذلك الوقت إعلامياً ومن بعض أعضاء مجلس النواب الموقرين (مثل أن دبي تريد أن تجعل ميناء عدن مهملاً وأن تجعل ميناء جيبوتي منافساً قوياً لميناء عدن) وغير ذلك من الأقاويل التي كان ينظر لها في ذلك الوقت، إنها مجرد صراع مصالح خاصة كون هناك شركة منافسة لديها شريك محلي يريد تسليم الميناء لشركته.. وقد رأت الحكومة الابتعاد عن نظرية المؤامرة التي نشتهر بها نحن اليمنيين لنظل محلك سر!!! وقررت اللجنة العمل بشكل احترافي مع بيوت خبرة كبيرة وذات سمعة عالمية لتضمن اليمن حقوقها وجاء رأي بيوت الخبرة (ومنها مجموعة روتردام البحرية هولندية الجنسية والاستشاري الاقتصادي الأمريكي السيد بأمي ارورا ) تلك ببعض الأفكار كان أفضلها خيار الشراكة الذي كان أعلى إيراداً للميناء وأكثر ضماناً لتطويره خاصة أن الميناء والحكومة سوف تكون أحد صانعي القرار، باعتبار أنها ترتب شراكة بين الطرفين وبالتالي كان القرار الذي اتخذته اللجنة ومن ثم مجلس الوزراء اقتصادياً بامتياز ومع تأكيدنا أن اختيار موانئ دبي كان قراراً سياسياً كذلك للعلاقات المتميزة بين الدولتين ومساعداتها تجاه اليمن ولكن لم يكن ليتم الأمر لو أن الجدوى الاقتصادية غير متوفرة أو أن تطوير الميناء لن يتم أو أنها شركة صغيرة... فقد حرصت اللجنة وأنا شخصياً على ضمان تطوير ميناء عدن لتصل حركته إلى أكثر من خمسة ملايين حاوية في العام ولدى الميناء مخطط عام لاستيعاب أكثر من عشرين ملايين حاوية مستقبلاً.
٤- أن اللجوء لهذا الخيار(الشراكة) كان الأخير بعد محاولات تحسين الاتفاقية السابقة الموقعة عام ٢٠٠٥م والتي قامت بها حكومتا باجمال ومجور ولذلك فمن غير الصحيح تماماً القول أنه تم اللجوء لخيار الشراكة هرباً من مجلس النواب وكأن مجلس النواب جهة تكره الخير للبلد أو أنها جهة معادية!! بل بالعكس كان لملاحظاتهم السابقة دور إيجابي، كما انه ليس معنى أن اتفاقية الشراكة بحكم الدستور والقوانين النافذة التي لا تقر من قبل البرلمان أن سلطه البرلمان قد سقطت!! بالطبع لا فسلطة البرلمان ورقابته قائمة قبل وأثناء وبعد الاتفاقية، فليس هناك مهرب أساساً، ولذلك أؤكد أن مصلحة الميناء هي التي فرضت هذا النوع من الشراكة في ذلك الوقت لأسباب اقتصادية وبقرار سياسي لكن أساسه توفر جدوى اقتصادية.
لكن.... ماذا حدث بعد ذلك؟ لماذا تدهور وضع ميناء عدن؟ لماذا غادر الخط الملاحي الرئيسي (الخط الملاحي هي شركة حاويات وسفن تنقل حاويتها إلى أو عبر الميناء) والذي كان يعمل منذ أكثر من عشرين عاماً؟ بل ولماذا لم تأت خطوط أخرى تضاف للخط الملاحي الموجود؟ لماذا لم يتحقق الهدف الأساسي من الاتفاق والمحدد بشكل واضح أن يكون ميناء عدن ميناء عالمياً يهيمن على نشاط الترانزيت لمنطقه البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي جاذباً لسفن الخطوط الملاحية الكبرى التي تعمل بنظام الأنترلاين لخدمة خط آسيا وأوروبا، وكذلك القيام بتطوير عدن كميناء محوري لنشاط الترانزيت والأكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية ؟.
إنها تساؤلات كبيرة وهامة والرد عليها يكشف الحقائق بدلا من أن يتغنى الآخرون باكاذيب باطلة ومحاولة التسلق المقيت بإظهار أن القائمين على الأمر فاسدون!! باعوا ميناء عدن!!! استلموا حقهم!!!! إلى آخر ذلك من الأقاويل والأكاذيب.
هناك فرق شاسع وجوهري بين توقيع وإبرام اتفاقية واضحة المعالم والشروط والواجبات بموجب حسن النية والمواثيق والأخلاقيات التي تحكم البشر وبين مخالفة أي اتفاقية والتراجع عن تنفيذها!! فهذا هو جوهر الموضوع وأساس المشكلة القائمة..
والجواب: نعم وبكل تأكيد هناك مخالفات ومماطلة واضحة في تنفيذ الاتفاقية، فليس في بنود الاتفاقية التي صاغتها كبرى بيوت الخبرة العالمية عيب (ومنها شركة كلايد آندكو البريطانية للمحاماة والاستشاري القانوني الهولندي السيد/ كريستيان كريمبن وله خبرة ٤٠ عاماً في اتفاقيات من هذا النوع ومجموعة روتردام البحرية وهي هولندية الجنسية والاستشاري الاقتصادي الأمريكي بامي ارورا وله خبرة أكثر من ٣٠ عاماً في هذا المجال والدكتور بهاء الدين وهو استشاري قانوني مصري معروف ومتخصص، إضافة للكادر الوطني) بل المشكلة في التنفيذ، كما تمت متابعات واضحة وجادة من قبلي حينذاك لضمان التنفيذ وفقاً للعهود والعقود وكذا متابعة جادة ومباشرة من قبل الجانب اليمني في الجمعية العمومية ومجلس الإدارة واللجنة الوزارية وهذا ما سنكشف عنه من خلال هذا التوضيح.
هذه مقدمة لابد منها للدخول في تفاصيل الموضوع الذي يشغل الرأي العام اليمني والذي بلا شك له حق الاستيضاح ونيل التوضيح :-
عندما تم تشكيل حكومة الدكتور/ علي محمد مجور في ابريل ٢٠٠٧م والتي عينت فيها وزيراً للنقل، كانت هناك لجنة وزارية مكلفة من مجلس الوزراء الأسبق، انتهت للتو من التفاوض مع شركة موانئ دبي العالمية حول الاتفاقية الناتجة عن المناقصة العالمية التي نجحت فيها موانئ دبي عام ٢٠٠٥م وكان للجان المختصة في مجلس النواب ملاحظات هامة حولها وشكلت لجان مشتركة بين الحكومة ومجلس النواب وتم الاتفاق على نقاط وبنود يلزم تعديلها لتحسين الاتفاقية وبناءاً عليه حسب ما أشرت فقد انتهت اللجنة الوزارية من آخر جولة للتفاوض مع دبي ووقعت محضراً بعنوان (محضر اجتماعات نتائج التفاوض مع شركة دبي العالمية بشأن تحسين شروط اتفاقية تطوير وتشغيل ميناء عدن للحاويات خلال الفترة من ٢٦-٢٧ مارس ٢٠٠٧م).
وبعد أيام من استلامي لمهام عملي عقدت اجتماعاً مع اللجنة المشار إليها (وكنت قد درست باستفاضة جميع ملفات الموضوع) وكان يهدف الاجتماع للرفع بنتائج التفاوض لرئيس الجمهورية حينها، باعتبار نتائجه هي أفضل ما يمكن الوصول إليه!!! وقد كان لي وجهة نظر حول ذلك بأن المطلوب أفضل ما يمكن تحقيقه لصالح ميناء عدن وتطويره واقترحت عرض النتائج على بيت خبرة اقتصادي لإبداء الرأي حول النتائج الأخيرة وهل هي لصالح البلد أم لا!؟ وأيدت اللجنة ذلك بكامل قوامها،،
وجاء رد بيت الخبر(وهي مجموعة روتردام البحرية) بما يلي نصه (إن وضع الاتفاقية بعد تراجع الشركة في وضع سيء وليست في صالح اليمن من الناحية الاقتصادية ويفضل إعادة الأمر من جديد).
ووفقاً لذلك تم تجاهل العرض الأخير من موانئ دبي ورفعت مقترحاً من قبلي للأخ رئيس الوزراء الذي رفعه بدوره للأخ رئيس الجمهورية بتاريخ ٦ مايو ٢٠٠٧م، تضمن الرأي فتح باب التفاوض لجميع الشركات ذات السمعة العالمية ويضع الجانب اليمني خياراته أمامها ويتم اختيار الأفضل من خلال مناقصة عامة وفق قائمة لأكبر الشركات المشغلة في العالم بشكل واضح وشفاف وإلغاء كل ما سبق من إجراءات..
وقد وردت موافقة الأخ رئيس الجمهورية آنذاك على تلك الخيارات بتاريخ ٢٨ مايو ٢٠٠٧م وبدأت وزارة النقل في إعداد خطتها لذلك ومراحل التنفيذ بما فيها اقتراحنا أن تشارك جهات بصفة مراقب للجان لدينا في مراحل الإعداد والتفاوض (وحددت بجهاز الرقابة والمحاسبة واللجان المختصة بمجلس النواب الموقر ووزارة المالية) وتمت الموافقة على الخطة من قبل الأخ رئيس الوزراء وتم إيفاد ممثل عن جهاز الرقابة والمحاسبة وعن المالية - وكان لهما دور إيجابي مهم - أما اللجان المختصة في مجلس النواب فقد رأت عدم اختصاصهم بالموضوع باعتبارهم جهة تشريعية غير تنفيذية، إلا أنهم باركو وأيدوا تلك الإجراءات.
كما تم تحرير خطاب لشركة موانئ دبي نبلغهم فيها بقرار الحكومة إعادة إنزال المناقصة من جديد وفتح المجال لجميع الشركات العالمية وكان ذلك في ١٣ يونيو ٢٠٠٧م.
وبناء عليه تم التعاقد مع بيت خبرة اقتصادي (مجموعة روتردام البحرية وهي هولندية) وبيت خبرة قانوني (شركة كلايد آندكو البريطانية للمحاماة) واستشاري قانوني (السيد كريستيان كريمبن هولندي الجنسية) وشركة للتسويق (شركة مايك ماندي وشركائة وهي بريطانية) للإعداد الكامل للإجراءات الجديدة المشار إليها ومنها إعداد صيغة اتفاقية جديدة تضمن كامل الحقوق لليمن وتضمن تطوير ميناء عدن التاريخي ليعود لسابق عهده وينافس الموانئ العالمية، ذلك كان حلمي واللجنة الوزارية والحكومة بل حلم جميع اليمنيين.
يتبع..
• وزير النقل السابق
خالد إبراهيم الوزير
ميناء عدن واتهامات الفساد الباطلة1 2244