;
الشيخ/ عمار بن ناشر
الشيخ/ عمار بن ناشر

دعوها فإنها منتنة 2631

2012-07-05 02:56:46


العصبية الجاهلية مرض نفسي خفي، وانحراف أخلاقي اجتماعي خطير وفيروس وبائي، حيث يخرج صاحبه عن دائرة الاتزان والعقل ومعايير الحق والعدل ويقوض عقد الأخوة الإسلامية وعقيدة الولاء والبراء ويصيب المبتلين به بأدواء الفخر والكبر والخيلاء والانتقاص للآخرين والازدراء وسوء الظن والرياء والتفرق والفتن والبغضاء، وهو دليل ضعف وعي وإيمان وخفة عقل وطيش يلجأ إليه الضعفاء لتكميل عقدة النقص حين فقدان مقومات الكمال في العلم والأخلاق، أو لغرض إشباع الحقد، أو طلب الشهرة والجاه وحين يغيب الوازع الديني والقانون لتحصيل بعض حقوقهم وحماية بعض مصالحهم، إذ العاقل لا يفاخر بما لم يفعله أو لم يكن له فيه اختيار (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير ما يجمعون) ولا يعيب أو يعترض على الخالق قضاءه وقسمته (أهم يقسمون رحمة ربك).
ينخر هذا الفيروس في ضعفاء الإيمان والنفوس كما ينخر في العظام الهشة السوس، تحركه غريزة ضعف بشرية جاهلية (أربع في أمتي من أمور الجاهلية لا يدعوهن وذكر منها: الفخر بالأحساب والطعن بالأنساب) رواه مسلم.
وقد تظهر هذه الغريزة على فئات بعض المنتسبين للعلم والصلاح، لكن العاقل يلجمها ويكبح جماحها ويقومها ويوظفها لنصرة الدين وصلة الأرحام وتجنب سفاسف الأخلاق نخوة وحياء كما كان (صلى الله عليه وسلم) يحشد كل قبيلة في فتح مكة ويقول مفاخراً في غزوة حنين: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، لشحذ الهمم، فلا حرج أن يعتز المسلم بنسبه وقبيلته ومذهبه وقومه وحزبه شريطة عدم الانتقاص للآخرين أو التعدي عليهم وأن لا تكون الحمية (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) منطلقاً فحين سئل (صلى الله عليه وسلم) عن الرجل يقاتل حمية وشجاعة ورياء أي ذلك في سبيل الله؟.. قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) متفق عليه.
ولقد كان من أبرز جمال الإسلام وانتشاره وانتصاره أن أقام في أتباعه رابطة الإخوة والإيمان وهي وشيجة لا تفرقها الفوارق والحدود والجنسيات وكلما ذكر اسم الله في بلد.. عددت ذاك من ضمن أوطاني.. وفي الصحيح (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد...) وصح قوله (المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم)، وهي رابطة لا تنتهي بانتهاء الزمان والمكان والحياة الدنيا كلها، بل تستمر معهم حتى إلى الحياة الأبدية في الجنة (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).
وجعل الإسلام معيار التفاضل والتكريم في قوله تعالى (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فلا فرق بين عربي ولا عجمي ولا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح وفي مسلم "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".. ولذلك فقد أعلا الإسلام من شأن بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي (لو كان الدين في الثريا لناله رجال من هؤلاء وأشار إلى سلمان الفارسي) صحيح الجامع.
ورفع الله بالعلم موالي وأعاجم مثل أصحاب الأمهات الست الصحيحة والسنن الأربعة وكلهم أعاجم، فمن المتأخرين إمام النحو سيبويه والقائد صلاح الدين الأيوبي الكردي الأشقر ومحدث العصر الألباني، رحم الله الجميع.
دعي القوم ينصر مدعيه × ليلحقه بذي الحسب الصحيح
أبي الإسلام لا أب لي سواه × إذا افتخروا بقيس أو تميم
وفي المقابل حين دخل الجمود والتعصب المذهبي والقومية العربية وتناحر الأحزاب السياسية والثارات القبلية والدعوات المناطقية (وتفرقوا أمرهم بينهم شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون)، دب الضعف في الأمة والتفرق والتنازع وتحالف العرب مع الغرب في إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية طمعاً في دول مستقلة، فما لبثوا حتى دخلوا في الهيمنة الاستعمارية الغربية.. وظهرت حتى في الجماعات الدينية دعاوى التشيع والتضليل والتشرذم.. لقد استطاع الغرب بعد صراعات أن يصل إلى عقد اجتماعي في القرن الواحد والعشرين بعد الثورة الصناعية وكانت بداية المرحلة الحياة الديمقراطية وتحفظ الكثير من حقوقهم وكرامتهم وتضمن القبول بالآخر والتعايش السلمي بين الفرقاء وها نحن نشهد زعامات أفريقية الأصل سوداء البشرة تتولى حقائب رئاسة الحكومة والدفاع والخارجية في أمريكا.
ولا شك أننا المسلمين أولى بكل ذلك منهم وفق ضوابط الشريعة الالهية السمحاء التي هدمت العصبيات الجاهلية بأقوى عبارة وأعنف توبيخ نظرياً وعملياً ومن ذلك ما جاء في الصحيح.. أن أبا ذر عير بلالاً بأمه قائلاً له: "يا ابن السوداء فقال له (صلى الله عليه وسلم): ليس لابن البيضاء فضل على ابن السوداء إنك امرؤ فيك جاهلية" وفي استجابة إيمانية فورية بادر أبو ذر إلى وضع خده على الأرض قائلاً لبلال "طأ خدي بنعلك".. وفي الصحيحين لما تداعى المهاجرون والأنصار (يا للأنصار يا للمهاجرين) قال (صلى الله عليه وسلم) "ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة" وفي رواية أن المقداد سمع رجلاً يفتخر بآبائه فقال له: "أعضض أير أبيك "فقال الرجل: ياصاحب رسول الله ما كنت فاحشاً قال المقداد: سمعت رسول الله يقول: من تعز بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن (وهو العضو التناسلي) كما الصحيح وعن أبي داود بسند صحيح: (إن الله قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان الذي يدفع بأنفه النتن "وفي رواية الذي يدهده الحراء برأسه" وفي صحيح مسلم: (من دعا إلى عصبية ينصر عصبية ويقاتل لعصبية فقتلته جاهلية) قال ابن تيمية: كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو حسب أو مذهب أو طريقة فهو عزاء الجاهلية.
وقال ابن القيم: الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية ومثله التعصب للمذاهب والطوائف والمشائخ يفضل بعضهم على بعض يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي.
وأخيراً فإن الصلاح لتطهير النفوس من أرجاس هذا الوباء والفيروس يتمثل أولاً في تنشئة الطفل والبيت والأسرة على القيم والأخلاق الإسلامية وتعزيز الولاء للدين والمؤمنين وإصلاح المناهج التعليمية وترسيخ عقيدة الولاء والبراء (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) لا للقبيلة والمذهب والطائفة والحزب، إنما هي وسائل لا غايات لنصرة الدين وحفظ مصالح المسلمين وتجفيف منابع العصبيات وروافدها السيئة كالشعر والمسابقات الشعرية الهزيلة التي ترسخ اللهجات العامية على حساب اللغة العربية، كما ترسخ التعصب للقبلية وطلب النصرة والفزعة في التصويت وكذا الهوس في الألعاب والفرق الرياضية والتي يستغلها الأعداء لإلهاء الشعوب عن الدين والسياسة كما في بروتوكولات حكماء صنهيون كما جرى بين مصر والجزائر من شقاق كبير ودماء وإنها دعوة للاجتماع على عقيدة وشريعة ومبادئ وأهداف ــــــــ واحدة راشدة ونبذ النعرة والحمية والعصبية ودعوى وعزاء الجاهلية.
× رئيس رابطة علماء عدن

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد