ما ذنب الأبرياء الذين يقتلون دون سابق إنذار، تجتاحهم قذيفة وتبعثر أشلاءهم قنبلة مزروعة تحت أنقاض الحقد الدفين، ما ذنب أبناء اليمن الذين نراهن على مستقبلهم، فنرسلهم بقايا أشلاء إلى العالم الآخر تحت إشراف عقول العدم والموت.
وكيف سقط مشروع القاعدة في السعودية، ونما في محافظات اليمن المقهور على أمره، الأمر بالتأكيد يتعلق بغياب الضبط الأمني والرقابة المشددة على أرواح الأبرياء، حيث الدولة الفاشلة تواصل تقديم نفسها على نحو مهين وبصورة تدعو للتحسر، هل نحب أيضاً أن تشبه مدننا اليمنية بمدن الانفلات الأمني في أفغانستان والعراق، هذا ما صرنا إليه للأسف، ذهبنا إلى أبعد من ذلك وأصبحت العبوات الناسفة خبر يومي في وكالات الأنباء والصحف العالمية، ومعارضة الداخل تغض الطرف في حين تمعن معارضة الخارج في نسج فتيل البارود لحرق أمنيات الساحات المتطلعة لرؤية يمن يستحق أن نحميه وندافع عنه.
مؤلم حقاً أن يذهب فتى في ربيع العمر ضحية مؤامرة دنيئة لعصابات الشيطان، مؤلم أيضاً أن تحصد ألغام النذالة حياة الريفيين البسطاء في أقصى حدود الوطن، كل الأخبار الواردة لا تنذر بالأمل، لا تزال القلاقل مستعرة، ولازال اليمن على فوهة بركان، بين التشطير والوحدة وبين الاستبداد والديمقراطية وبين الاختطاف والأمان، وبين الخوار والحوار.. مسافة بون شاسعة تحتاج إلى ما يشبه المعجزة لانتصار العنوان الأسمى على العنوان القبيح، وبين هذا وذاك نقف جميعاً على أعصاب مشدودة قلقين من اللصوص الجدد الذين بوسعهم سرقة تطلعاتنا من معترك الفرصة الأخيرة، حيث سيصعب علينا العودة بعد ذلك إلى أي مربع ننطلق منه لأفق أنظف.
هذه المرة يجب أن تنتصر الإرادة الشريفة على أقزام الانتقام، وعشاق تصفية الحسابات، أن تعود لأرواحنا إرادة اجتراح الذات، وبناء معنى لكل هذه التضحيات وفق ناتج ملموس يحقق الطمأنينة أولاً لفقراء الوطن المحرومين والمنفيين في صحاري الإقصاء والتهميش وثانياً للإنسان اليمني الذي طال انتظاره في منافي الاغتراب،طال انتظاره لحكومة تعيد إليه كرامته وتحميه من ذل الانكسار، حكومة تسند ظهره المعوج، وترفع هامته إلى الأعلى، وبالتأكيد ليست هذه الحكومة القائمة على التسويات من بوسعها فعل ذلك، لاشيء تغير، المنظرون وحدهم من سيرددون أنتم تستعجلون النتائج، لكن النتائج تبنى في العادة على مؤشرات، والمؤشرات، خطوط حمراء، منحنيات سفلية، وأشلاء ودماء، لا تورث غير التشاؤم.. إذاً ما الذي نحتاج إليه في مثل هذا التوقيت، وسط تحذير مستمر من منظمات عالمية بحدوث مجاعة للأطفال وكبار السن، إن لم تكن قد وقعت فعلاً، ووسط هذا الاختلاف الكبير على المصالح وتقاسم السلطة التي لم تسلم نفسها بعد على طبق من ذهب، ووسط هذا المشهد المنقسم على نفسه والمأزوم حقاً، نحتاج إلى قيادة ثورية، أشخاص يحبون اليمن ويراهنون على الأجيال القادمة، هذا الوطن لا يستحق كل هذا التمزق، لا يستحق كل هذه العدمية والموت البطيء.
السياسيون سيقودوننا إلى كارثة بفعل التباين في الرؤى والغايات والعسكر لا يفكرون إلا باستمرار سطوتهم.. أذن على من نراهن، من هو القائد الفذ، وهل بالضرورة اعادة طبائع الاستبداد بإعلان القيادة والولاء لشخص وحيد مجدداً، نحتاج لمصداقية في الحوار لمسئولية جماعية، لأشخاص يحبون اليمن الواحد، اليمن المنهك، لكنه نفسه اليمن المارد الذي بوسعه أن يستيقظ ويعيد الاعتبار لأبنائه ومحبيه، متى ما أخلص الجميع النوايا، وكافحنا من نقطة مشتركة كل أشكال الفساد والمحسوبية والرشوة والمؤامرات الرخيصة، عملياً على الأرض وليس في الشعارات الخطابية والمجالس فحسب.
نحتاج أن نقف جميعاً، يداً واحدة لمنع اللصوص من اغتيال فرحتنا، وحدتنا الممكنة، حلمنا المبعثر، وهذا لن يتحقق دون قرار سياسي قوي وحكومة صادقة ورشيدة، حكومة لا تعرف النفاق ولا تخشى من قبائل الفيد، أو تستسلم لضغوط الزمن الرديء، قادة العهد القديم المتلونون بحسب الحاجة ووفقاً لمتغيرات الخارطة النفعية، حتى وإن كانت هذه المواقف تعني الثورة، الثورة المتقاطعة مع كل ما هو قديم ورخو ومتواطي، ثورة الشباب التي تستحق أن تنتصر ولو بالمزيد من الدماء والتضحيات، ولو بثورات متعاقبة ضد كل ما هو انتهازي وعقيم ومتفسخ، ضد كل من يحاول أن يستغفل الجيل القادم، أن يلتهم أحقيتهم بعد كل هذا الكد والعناء، أن يلبس الباطل بالحق ويذهب لمحاورة شباب ليس لهم علاقة مطلقاً بأولئك النبلاء الذين حملوا أرواحهم على أكتافهم في ساحات الحرية والتغيير بمختلف مدن اليمن الجديد ولازالوا على استعداد لفعل ذلك آلاف المرات.
وليد جحزر
عبوات ناسفة لحلم الثورة! 1705