;
منصور بلعيدي
منصور بلعيدي

من الذاكرة السياسية: الجنوب ..وضياع الفرصة الذهبية!! 2380

2012-07-25 03:19:24


حين نال الجنوب استقلاله من المستعمر البريطاني في الثلاثين من نوفمبر1967م كان الشعب الجنوبي يعيش حالة من الفقر يصل إلى درجة العوز في بعض المناطق وكان التعليم في أدنى مستوياته على مستوى الوطن العربي ونسبة الأمية مرتفعة جدا( 90%) وحتى القيادات الثورية التي استلمت الحكم من بريطانيا هي الأخرى لم تكن بمنئا عن حالة شعبها من التخلف العلمي والمعرفي .. كانت كلها تقريباً لا تمتلك مؤهلات علمية كبيرة ويكفي أن نعرف أن رئيس الجمهورية نفسه لا يمتلك أكثر من مؤهلات الثانوية العامة وقس على ذلك..لكن القوى الكبرى تسارعت إلى استقطاب السلطة في الجنوب وكانت روسيا هي من فاز بالجولة إذ استطاع أنصارها بقيادة عبد الفتاح إلى تحويل مسار الثورة والسلطة إلى النهج الاشتراكي رغم أنف سالمين ومجموعته التي غلبت على أمرها في المؤتمر الرابع للجبهة القومية المنعقد في مدينة الشعب بمحافظة عدن في ابريل عام 1972م.
ولعبت الحرب الباردة بين القوى الكبرى – حينها- دور كبيراً في جر الجنوب إلى أتون ذلك الصراع الدولي فأخرجها عن مسارها العربي وقاد إلى عزلتها عن محيطها العربي وتعامل معها العرب بحذر.. ومن طريف ما يذكر أن الرئيس سالمين ذهب إلى الصين يطلب المساعدة لشعبه فقال له الزعيم الصيني (كيم ايل سنج) كم تعداد سكان بلدك؟ فأجاب: اثنين مليون، فرد علية قائلاً: هاتهم ألينا وسنسكنهم في(براق)واحد وتصرف عليهم الدولة، طبعاً كانت مزحة ثقيلة استطاع سالمين إن يردها للزعيم الصيني حين قدم له الطعام ومعه (كؤوس الخمر)فرفض سالمين شرب الخمر قائلا: لا يليق بي أن أشرب الخمر وشعبي لم يستطع شرب الماء النقي حتى الآن
 
لقد كانت قلوب الجنوبيين حينها صفحة بيضاء تنتظر رسام مبدع يرسم عليها لوحة رائعة لمستقبل شعب تواق إلى الحرية والانعتاق خرج للتو من ربقة الاستعمار، تشرأب أعناق أبناؤه إلى بناء وطن خاليا من الاستعباد .. وطن الحلم بالحياة الحرة الكريمة التي ينشدها الجميع.. ينطلق فيه الناس من قيود الماضي البغيضة إلى فيحاء الحياة الرحبة متسلحين بهمم الشباب وآمال المستقبل الوضاء الذي افتقدوه كثيراً أبان مرحلة الاستعمار البغيض.. شعب كان صافياً نقياً مستعداً لبذل أقصى التضحيات في سبيل النهوض بأوضاع الوطن ليرتقي إلى مصاب الدول المتقدمة.. إنه الشعب الوحيد في العالم كله الذي يساعد حكومته الوليدة ويطالبها بتخفيض معاشات أبنائه بغرض بناء الاقتصاد الوطني الذي كان في الحضيض..
ومن طريف ما يذكر أن الشعب خرج في مسيرات عارمة فيما سمي بـ (الأيام السبعة) مطالبين بتخفيض الرواتي دعما للاقتصاد الوطني المتهالك، وحين مرت إحدى المسيرات بالشارع الرئيس في المعلا كان احد المصريين يقف مدهوشاً من حماسة الجماهير لكنه لم يفهم ما يقولون فسأل زميله اليمني قائلاً: هما عمالين بيزعقوا بيقولوا أيه؟ فأجابه اليمني قائلا: يطالبون بتخفيض الرواتب.. فرد المصري باهتمام قائلاً: امال اذا زيدوهم قرش حيعملوا أيه!! لقد كانت الكثير من المشاريع الوطنية تقام بالمبادرات الشعبية الطوعية .. وقد رايت بنفسي كيف كان أفراد القوات المسلحة يشاركون في جني محاصيل القطن من مزارع الدولة في أبين حين كان الإنتاج غزيرا والعمالة محدودة، ورأيت الطلاب والموظفين وهم سيشاركون في المبادرات الجماهيرية بروح وطنية عالية لم أرى لها مثيلاً في حياتي ورأيت المبادرات الجماهيرية في ميناء عدن - لتفريغ حمولة السفن من المواد الغذائية - تستمر ليلاً ونهاراً حتى يتم أفراق حمولة البواخر كما أن المعدات الخاصة بالقوات المسلحة هي الأخرى كانت تفرغ بالمبادرات الطوعية للجيش، كما يشارك أبناء القوات المسلحة في إنشاء بعض المشاريع الوطنية ولم نسمع عن أي تذمر أو ضيق بسبب هذه المشاركات لان الجميع كانت عندهم روح وطنية عالية وهم يؤدون تلك الأعمال بمنتهى الأريحية.. ولو أن النظام السياسي القائم حينها أدرك أهمية هذه الروح الوطنية وعمل بمقتضاها لكان الجنوب اليوم هو من يهرع إليه لا العكس.
 
لكن النظام السياسي –حينها- خذل الجنوب ورمى به في أحضان الصراعات العمياء حين سيطر عليه جناح الشيوعية فأدخل المجتمع في دوامة الصراعات وانتشرت الأحقاد والأطماع في الاستيلاء على مقاليد السلطة وتحولت السلطة إلى مغنم يتصارع عليه الطامعون للوصول إلى كرسي الحكم الذي كان هو مصدر الجاه والمال فتحولت الساحة الجنوبية إلى ميدان للاستقطاب الحاد بين الأجنحة المتصارعة داخل التنظيم السياسي الجبهة القومية الذي تطور فيما بعد إلى حزب ..وتحولت القبائل الجنوبية إلى قبائل ماركسية كل قبيلة تخطط للفتك بالأخرى تحت مظلة الاشتراكية وفي حقيقة الأمر هي قبائل ترتدي عباءة الاشتراكية وتفكر بعقليات قبلية فلا فهم حقيقي للاشتراكية ولا إيمان حقيقي بها ولكنها اتخذت كسوط أو سيف يضرب به كل فريق خصمه فكانت الانقلابات كل خمس سنوات،وهذا ما أضعف الجنوب وأورده الموارد.
مازلت أتذكر حضورنا ونحن طلاب في المرحلة الابتدائية إلى مدينة الشعب للحشد للمؤتمر الرابع للجبهة القومية عام1972م..ومازلت أتذكر كلمات الرئيس الشهيد/ سالمين حين طل علينا من شرفة مبنى قائلاً: (ما أشبه الليلة بالبارحة)وكأنه يشير الى صراع الرفاق على اتجاه السلطة وقد حسمها اتجاه فتاح الى الشيوعية وغلب اتجاه سالمين الى الدول العربية..
وخذلوا تلك الجماهير العفوية ..
وضاعت الفرصة الذهبية . ..والنتيجة معروفة للجميع.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

ياسمين الربيع

2024-12-25 22:01:31

رهانُ الحزم..

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد