من المتوقع أن يكون لتداعيات اليونان الاقتصادية الكبيرة آثاراً تنعكس على وحدة منطقة اليورو، كما من الممكن أن تُثبت حدود البرامج الإنقاذية ونتائج السلوك غير المسئول مدى مقدرتها على المساعدة في تخفيف المخاطر الأخلاقية على بقية الدول الأعضاء في المنطقة وليس من المتوقع أن تكرر إحدى دول المنطقة الهامشية التجربة اليونانية، وفي غضون ذلك يكون دافعو الضرائب في دول المنطقة الشمالية على قناعة من أن الدعم المالي محدود ومشروط، ونتيجة لذلك يكون من السهل تقديم سياسة مشاريع الوحدة المالية الشائكة مثل طرح سينات منطقة اليورو.
في موضوع خروج اليونان من منظومة اليورو فإنه قد يتسبب في خراب كبير بالنسبة لها ولقارة أوروبا ككل، لكنه ربما يكون في الوقت ذاته واحداً من أفضل الأشياء التي يمكن أن تحدث لمنطقة العملة الموحدة على مر تاريخها، ويقود بقاء اليونان في المنطقة إلى شل حركة اقتصادها في ظل انهيار النظام المصرفي ورفض الموردين الأجانب للدفع بالدراخمة، كما أن النظام المالي لمنطقة اليورو الذي يمثل الدائين الأكبر لليونان سيعاني من خسائر تقدر بمئات المليارات من اليورو، ويتمثل الخطر المبدئي بالنسبة للاقتصاد الأوروبي ككل في إعادة المخاطر المتعلقة بالعملة في وحدة نقدية معروفة بصلابتها وليس من السهل عند انهيار البنوك اليونانية أو إغلاقها لفترة محددة لتتم خلالها عملية تحويل الإيداعات بالدراخمة الجديدة، توقع ما إذا كان الناس والمؤسسات في مختلف بلدان منطقة اليورو الهامشية سيقومون بسحب الأموال من البنوك وربما تكون خسارة ضخمة من الناحية المالية، وقادت التداعيات المحتملة من المحللين لافتراض أنه ليس من الممكن لأي مسئول أوروبي الموافقة على خروج اليونان من منطقة اليورو، ومن منطق وجهة النظر هذه فإن كل الحديث الذي يدور حول عملية الخروج لا يعد سوى كونه مجرد تخويف ومن المتوقع أن يبدي القادة الأوروبيون نوعاً من التساهل مع اليونان وتخفيف الشروط المفروضة على برنامج التقشف.
وفيما يخص المخاطر الأخلاقية فإن هذا المنطق يقلل من قيمة أحد العوامل الأساسية لاقتصاد منطقة اليورو السياسي، حيث أنه وفي وحدة تتميز بأعضاء شبه سياديين ينبغي أخذ المخاوف المتعلقة بالمخاطر الأخلاقية، واحتمال أن يقود التساهل مع اليونان إلى تشجيع دول أخرى على الخروج بعين الاعتبار، كما أن وعد قادة منطقة اليورو بوقف الدعم عن البنك المركزي الأوروبي وترك الحكومة اليونانية بدون أموال لتقر ما إذا كانت ترغب في التخلي عن اليورو أو البقاء مجرد عضو أوروبي ليس مجرد تهديد. وما لا يؤيده قادة الدولة الأوروبية هو تفكك وحدة منطقة اليورو وهنا يكمن المحك الحقيقي بالنسبة لخروج اليونان.
ولحماية اتحاد العملة من الانهيار على بقية الدول التحرك السريع نحو الوحدة المالية والاقتصادية التي أثبتت ضرورتها لبقاء اليورو لأطول فترة ممكنة. وهذه طبيعة الاتحاد الأوروبي وتاريخ الوحدات الأخرى في المنطقة التي أهلكتها الأزمات الحادة، وبقاء منظومة اليورو هي القضية التي لا يتوانى القادة الأوروبيون في الدفاع عنها مهما كلف الأمر.
وفي حالة مخاطر انهيار البنوك فإن نوعاً من برنامج ضمان الإيداعات عبر الدول هو الوحيد الذي تكون له السلطة الكافية لإقناع الناس بالاحتفاظ بأموالهم في بنوك دول منطقة اليورو الهامشية مثل البرتغال وأسبانيا وإيطاليا ويتطلب سريان هذا البرنامج توحيد المراقبة والنظم المصرفية في منطقة اليورو، كما ينبغي أن يتخطى تسيير البنوك ومراقبة المستوى الوطني أي إمكانية بروز اتحاد مصرفي لمنطقة اليورو كنتيجة مباشرة لخروج اليونان.
هامش:
1ـ الاتحاد الاقتصادي 5/8/2012م
2ـ الاتحاد الاقتصادي 6/8/2012م
3ـ الحياة العدد [18023] 8/8/2012م
د.علي الفقيه
تداعيات وحدة منطقة اليورو 2101