دور الدولة الراجح والأوحد حيث تخص نفسها أي إدارتها الاقتصادية وهيئاتها بالتوسط في أعمال الشركات وعلاقاتها وصفقاتها وفي المصارف واستثماراتها وتسليفاتها وفي إقرار المناقصات والمقايضات، ويتولى جهاز التنظيم في الحزب تعيين المسؤولين على رأس الشركات الكبيرة، ولا يستثني الإجراء الإداري والتنظيمي والحزبي قطاعاً واحداً، ويشمل الاتصالات والتعدين وما بين هذين القطاعين على حد سواء.
وخلال ثلاثة عقود عمل الحزب على أن يؤسس المواطنون شركاتهم وأعمالهم من غير قيد واحتفظ لنفسه وأطره بقلب المفاعل أو المحرك، الدولة تحتفظ بالحصة المرجحة من الملكية في القطاعات التي توصف بالإستراتيجية.
رجال الأعمال يعتبرون رأسمالية الدولة غير مجزية لهم لأنهم لا يتنافسون في إطارها على توسيع الثروة، بل يلتزمون تطبيق سياسة مرسومة، وهناك قيود على الشركات والاستثمارات، فالدولة لا تتحفظ على كل أنواع التسديدات المتعلقة بطلبات التسليف، لكن الخلل الرئيسي الذي أدت إليه رأسمالية الدولة هو تراكم الثروة في أيدي نخبة سياسية قيادية أو وثيقة الصلة بالقيادة السياسية الحزبية، والحيول دون توزيع واسع لعوائد النمور ثمراته، فالصين تعد من أكثر بلدان العالم تفاوتاً في المداخيل، إلا أن الدولة رسمت خطة استثمارات هائلة في البنى التحتية وساندت نمواً قوياً بينما كان سائر العالم يغرق في الكساد، لكن المشكلة هي أن القرارات تستجيب لما يراه فريق ضيق من القادة.
النموذج الصيني يقوده معيار واحد هو الاستثمار في عهدة الدولة، والدولة وحدها تقر الفوائد ونسبتها، والأخطاء المترتبة على الإقراض تقع على عاتق الجماعة الوطنية.
وفي المراحل الأولى من النمو لا خلاف على الخطط أو تعيين المشروعات الاقتصادية المجدية، وهي تستدرج نمواً سريعاً ومتصلاً.
وفي المراحل التالية تبرز مشكلات عسيرة ومعقدة ناجمة عن سياسة توزيع الاستثمارات والرساميل وتتوجها في آخر المطاف أزمة مديونية، وهذا لا مناص منه حين يصيب الأسعار ودلالاتها السوقية المفتوحة إعوجاجاً مصدره الحوافز السياسية الخارجية عن دائرة الإنتاج والسوق وترعى الحوافز السياسية المآل الاقتصادية العام ودوامه بعد نفاد صلاحيته.
الصين دولة تنمواً اقتصادياً بخطى سريعة ومنافسة قوية على الصعيد العالمي، حيث حرص الصينيون على تعزيز نفوذهم في القارة الإفريقية، فقد اتخذت من الاقتصاد والتجارة والمال مع شيء من الثقافة ممثلاً في افتتاح معاهد لتدرسي ا لصينية وآدابها، سبيلاً إلى التواجد القوي في الكثير من الدول الإفريقية، وخصوصاً تلك المعروفة بمخزونها من الطاقة والموارد الطبيعية الأخرى ذات الصلة باستمرار ازدهار الاقتصاد الصيني.
وقد ساعدها على ذلك جملة من العوامل منها انشغال الدول الكبرى الأخرى بأماكن وقضايا خارج إفريقيا، وتفشي الفقر والمرض والجهل واستفحال البطالة، واهتراء البنية التحتية وغير ذلك من الأمور التي استغلها الصينيون بمهارة لكسب ود الأفارقة وحكوماتهم من خلال المشروعات والقروض والاستثمارات.
بكين أعلنت منذ فترة أنها خصصت نحو "10" مليارات دولار لتقديمها كقروض ميسرة للدول الأفريقية خلال ثلاث سنوات وأنها تنوي لعب دور أكبر على الساحة الأفريقية من أجل تحقيق السلام والاستقرار والتنمية، وأنها عقدت العزم على إعفاء منتجات الدول الأفريقية الأقل نمواً من تلك التي تقيم معها علاقات دبلوماسية من الرسوم الجمركية بنسبة 95% وعلى دعم المؤسسات الصينية المالية المنخرطة في تقديم القروض إلى الشركات الإفريقية الصغيرة والمتوسطة، علاوة على الاستمرار في تخفيض أو إلغاء الديون المستحقة للصين على بعض الأقطار الأفريقية، حيث عقدت الصين منذ عام 2006م اتفاقيات بهذا الشأن مع 51 دولة أفريقية، وبلغ إجمالي ما أسقطته عنها من ديون نحو "10" مليارات دولار.
وقد استحوذت الصين بمفردها على 13% من إجمالي ناتج القارة من النفط وتنفذ الصين حتى الآن في إفريقيا نحو "1600" مشروع يتراوح ما بين بناء السدود ومحطات الطاقة المائية وإنشاء البنوك والمستشفيات والمدارس وغيرها.
هامش:
1. الحياة العدد "17939" 16/5/2012.
2. الاتحاد العدد "12440" 22/4/2012.
3. الاتحاد الاقتصادي 4/5/2012.
////////
د.علي الفقيه
رأسمالية الدولة في الصين 2149