كلمات الرياء والنفاق والمجاملة الكاذبة أصبحت اليوم الممر للوصول إلى جميع المصالح وأقصر الطرق للوصول إلى قلوب الرؤساء في العمل وإنجاز المهام أو حتى أي شيء آخر، لقد أصبحت الدول تختلف عن بعضها البعض من حيث التميز في صناعات عن أخرى، فمثلاً أميركا تتميز بصناعة الطائرات والألمان تجدهم متفوقين في صناعة السيارات ومعدات النقل الثقيل واليابان تتميز في صناعات البرمجيات والحواسب الآلية، وكذلك العديد من الدول التي تبحث لنفسها عن مكان في المستقبل.
أما في اليمن السعيد فوجدنا صناعة لن ينافسها أحد وأصبحنا أصحاب الريادة فيها وهي صناعة النفاق وهي صناعة لو تمكنت من وطن لقتلته وقتلت كل النابهين والمتفوقين فيه بحيث تجد المنافقين وحملة المباخر في مقدمة الصفوف، إننا في عالم انقلبت فيه الموازين ولم تعد الكفاءة أو المجهود أو العمل بإخلاص أو الموهبة هي مقاييس النجاح، وإنما الكلمات المعسولة ومفردات الإطراء والمديح والذوق الذي أصبح اليوم في مجتمعنا أسهل الطرق لنيل المراد.
وكم من الأشخاص بهذه الصفات الغريبة التي يمارسونها دون خجل أو حياء وبفجاجة بصورة تثير الاشمئزاز تهدف إلى تحقيق المآرب وفي كل مجلس قات أو مصلحة حكومية أو شركة تصطدم بهؤلاء أصحاب العقول الفذة والفهلوة والنصاحة، والنفاق واحد ولكن تختلف طريقة استعماله بحسب الموقع والغرض من هذا الاستعمال، بما معاه من أصبح يجيد اللعب بالثلاث ورقات يحتل مرتبة الريادة وتوارت صفات النوايا الطيبة والمشاعر الصافية الشفافة لتكون من علامات الماضي السحيق ومن يريد أن ينجح اليوم أصبح مجبراً أن يرسم ابتسامة عريضة على شفتيه ويظهر غير ما يبطن لكي يوصل لمبتغاه وينال ما يسعى إليه من مساعدة مادية أو وظيفية أو حتى يحصل على معلومة.
لم تعد لسيرتك الذاتية قيمة ولا تفيد الشهادات والدراسات وحسن السيرة والسلوك كما تلاحظ طالب ينافق أستاذه ويوهمه أنه عقلية عبقرية فذة وأنه لم يفهم من أحد قبله رغم أنه يلعنه ويجعله مادة للسخرية في جلساته، للأسف إن ارتداء قناع النفاق اليوم هو جواز مرورك للنجاح، وكل ما عليك صباح كل يوم وقبل أن تخرج من بيتك أن تضع الصدق في أحد أدراج دواليبك وتغلق عليه والعالم أصبح عالماً من المصالح المتشابكة، والرغبات المتعارضة، وعليك تجاوزها والتحاليل عليها بذكاء وحنكة ومفهومية، وكم من الصراعات ترتكب باسم المصالح الشخصية يتنكر فيها الأخ لأخيه، والصاحب لصاحبه والنفاق أصبح سلوكاً يومياً، وبات كالسوسة التي تنخر في بناء المجتمع وتهدد بنيانه، فلم يعد أحد يشعر بقبح ما يصنع طالما أن هناك استجابة والمهمة سهلة جداً بعدها تأتي الغنائم الكثيرة وكل الأمنيات والأحلام تصبح حقيقة واقعاً نعيشه لم نعد نضرب المثل بالقدوة الحسنة ولا بالانضباط ولم يعد يعيش الناس كما يفعلونه ولكن ما يتسلقون به، والنفاق أصبح يضلل كل شيء، في الصداقات وبين الأقارب والمعارف وحتى في اللقاءات العابرة، الملاطفة التودد الكاذب هي أفضل الوسائل دون خسائر، إن ما يميز الدول المتقدمة أن شعوبها لا تعرف النفاق، وتقف عند حد المجاملة الرقيقة المقبولة والعلاقات الإنسانية الصادقة، لذا في الأخير تجدوني أسألكم هذا السؤال: ألا تزالون تتساءلون يا جماعة لماذا نحن دولة متخلفة؟! وللموضوع بقية.
أحمد عبدربه علوي
في مجتمعنا.. النفاق أصبح يضلل كل شيء!! 2572